تسمع وقع خطواته من بعيد, وتسمع صوت دعائه وأستغفاره وتضرعه, في جوف الليل, حين يكون الجميع نيام, يتنقل بهمة بين دور الفقراء, ليؤمن لهم ما يسد رمقهم, ويكفيهم الحاجة والعوز, ومذلة السؤال, ويتخذ من الليل سترا حتى لا يعرفه احد ويبقى صاحب ألاحسان مجهولاً. بعد أن ينجلي ليل العبادة والتوسل, يبدأ نهار العمل والنظر في أمور الرعية, ألا أن الخليفة لا يدخل الى دار الخلافة بملابس فاخرة, مطرزة أو مرصعة, بل يرتدي ملابس خشنة لا يوجد أخشن منها الا الزاد الذي يتناوله بعد صيام وقيام, كسرة من خبز الشعير وقليل من الملح, هذا هو طعام الحاكم الذي تمتد أركان خلافته عبر خمسة قارات! وربما لن يكون من نصيبه, أذ قد يكون من نصيب أي فقير يطرق بابه فيكمل صيامه على جوعٍ دون أن يدخل جوفه شيء سوى الماء. بعد مدة سنتين من حكمه, لم يجدوا في تلك القارات الخمس من يستحق الصدقة, الكل تغير أصبح حاله أفضل من ذي قبل, ألا الحاكم بقي على فقره وزهده, بعد أن ينهي ما عليه, يقف بنفسه ليسقي الخدم في منزله, ثم ينقطع الى عبادته وتضرعه وزهده, هذا هو أمير المؤمنين, وقائد الغر المحجلين, وأبن عم سيد المرسلين ( عليه وعلى آله افضل الصلاة وأتم التسليم), أنه علي أبن أبي طالب (عليه السلام). يدعي البعض السير على نهجه والاقتداء به, قولاً لا فعلاً, فتجد أحدهم حين يتحدث أمام الفضائيات يكون فحوى حديثه عن أتباع خطى ألامير, وبعد أن ينتهي اللقاء, يتجرد عن كل ما قاله بكل سهولة لينتقل الى عالم يزيد بن معاوية من ثراء فاحش, وجبروت وطغيان, وليالي السمر والعزف على القيان, رواتب أقرب الى ألارقام الفلكية, وسيارات فخمة, وجيوش من المرافقين, والمتملقين ممن لهم الحظوة في مجالس السلاطين. في الشوارع تزدحم الأزقة بالأرامل, والايتام, ويأن الجياع على ألارصفة تحت المطر شتاءاً, وأشعة الشمس الحارقة صيفاً, وتعقد الصفقات, ويقف الحجاب على ألابواب فلا يمكن للفقير أن يصل لأي مسؤول نائباً كان أو وزير, ليشكو له من العوز والفقر وضيق الحال, هذا هو واقع الحال, فالمقارنة بين القول والفعل شيء أقرب للمحال. أن أدعاء السير على نهج الوصي, قولاً والسير على نهج أعدائه فعلاً, هو طعنة من طعنات أبن ملجم اللعين التي وجهت الى رأس ألايمان, فعندما تظلمون أتباعه والفقراء من محبيه, وعندما تتسول النساء , ويجوع ألايتام, وانتم مسؤولون عن ذلك وتدعون السير على خطاه فأنتم بذلك تقتلون الوصي في كل يوم, يجوع فيه يتيم, وتتسول فيه أمراة على أرصفة الطرقات, الم تكتفون مما فعله أبن ملجم؟ فيا ترى كم مرة ستقتلون الوصي؟
|