العراق تايمز: كتب د. نبيل احمد الامير التميمي
رغم انه قد طُلب مني عدم الكتابة عن التحريض ضد سياسة الرعونة والجهل والإقصاء التي تُمارسها الحكومة المتسلطة في بغداد خصوصا في هذا الظرف الحساس الذي يمر به الوطن . . .
ورغم قناعتي بضرورة مقاتلة الإرهاب والإرهابيين ومن لف لفّهم وساندهم وآواهم . . لكن بدون الخلط بينهم وبين العراقيين المعترضيين على السياسات .  . .
ورغم يقيني ان البعض كان صادقاً في محاولاته إنقاذ البلد مما هو فيه ومقدم عليه . . .
لكني لم أستطع إلا أن اكتب مايراه ضميري رغم قساوته على نفسي والآخرين ، ورغم اني اعرف
نتائج هذه الكلمات على حياتي ومستقبلي المهني والعلمي بالعراق ، لكني لن أقول إلّا ماأراه وأعتقده ، ولن أترك طريق الحق رغم قلّة سالكيه .
أقول فيما أقول . . .
قد يستهجن البعض من كتاباتي الكثيرة في الديمقراطية والعلاقات وحقوق الإنسان والتوعية المجتمعية ، وكشف الفساد والمفسدين ، وقد يراني البعض فيها كمن يغرّد خارج السرب ، فالمجتمع حسب منظورهم لايحتاج لمثل هذه الكتابات في هذا الظرف العصيب .
وقد يتهمني البعض بالعمالة والخيانة وهذا ابسط مايخرج من الجهلة والمنافقين الذين لازالوا يتملقون للسطة وأزلامها ، ولا يفهموا معنى بناء المجتمع ودولة المؤسسات .
وقد يراني البعض مُفكّر أعيته الحيلة لإيجاد
مايمكن كتابته وتوعية المجتمع به ، المجتمع الذي أصبح ثُلثه لا يقرأ ولا يكتب ، وعُشُره أيتام ، وسُدسه أرامل ، ونصفه عاطل عن العمل وثلاثة ارباعه لايملكون ذراعاً واحداً من الارض يفرشون فيها متاعهم .
فرغم كل هؤلاء سأبقى اكتب بما تجود به قريحتي الأدبية والعلمية للعراقيين والعرب والعالم من الشرفاء والاذكياء الذين إستطاعوا أن يقرؤا حقيقة النتائج وأسبابها والتي كانت حتمية لسياسة الرعونة والإستهتار والفساد والمصالح الضيقة التي تجري بالعراق ، خصوصا عندما تكون هذه الكتابات من شخص مثلي كان قريب من مصدر القرار ، لكن تركه بإرادته وإختياره حفاظاً على كرامته وسمعته .
نحن العراقيون شعب صبور . . . شعب غيور . . . شعب لايسكت على ضيم . . .
كلمات وجمل سمعناها وتعلمناها في دروس الوطنية والثقافة في المدارس والجامعات . . كلمات وجمل آمنّا بها وصدقناها ، وجعلناها منهاجاً لنا تعيش فينا .
ولكن هل الواقع الذي نعيشه ترجم هذه الكلمات والجمل الى حقيقة ملموسة في حياتنا ؟؟
فنحن شعب أصّر وبقناعة غريبة أن يختار نفس الظالم فلان ، ونفس القاتل فلان ، والسارق فلان ، والجاهل فلان ، والمختل عقلياً فلان ، والفاسد فلان ، ونفس فلان وفلان وفلان ، وبأبشع الصفات . . .
إختارهم جميعاً وبإصرار ليحكموه ، مرّة بعد مرّة ، بإنتخابات لا اصدّق انها كانت نزيهة ، لكنه إختارهم غير مبالي بعدم وجود ابسط مقومات الحياة الانسانية له ، غير مُبالي بمستقبله ومستقبل اولاده .
إختارهم رغم يقينه بسوئهم ، وسوء إدارتهم لوطن من أغنى الأوطان .
إختارهم لا لسبب سوى لأن كل هؤلاء السيئين سمحوا له بأن يُمارس شعائره وطقوسه التي يعتقد انها ستدخله الجنّة ، اللطم ، وإقامة مجالس العزاء ، والسير لأضرحة الأئمة الأطهار ، ولم ينتبه هذا الشعب أن كل هؤلاء الأئمة الأطهار ، والذين يعتبرهم الشعب قدوة في دينهم ودنياهم ، لكنهم نسوا أنهم كانوا ثوّاراً على الظلم والإستبداد والقهر والجور والحرمان .
فنحن شعب يعيش عشرون ساعة باليوم بدون كهرباء ، يتلوّى فيه الأطفال والشيوخ والشباب من لهيب الشمس وحرّها ، بدون أن يطلب الثأر لنفسه ممن تقصّد إيذائه ، رغم مطالبته وإيمانه بشعار الثأر ، فمنذ ١٤٠٠ سنة وهو ينادي يالثارات الحسين .
شعب يعيش على أغنى أرض حباها الله بالخير والنعم ، وغالبيته العظمى تتلوّى من الجوع والحرمان .
شعب يعرف سارقيه ، وظالميه ، ومغتصبي حقوقه ، ويسكت وكأنه لايُبالي بشيئ .
شعب عريق بتاريخه ، عظيم بصفحاته ، لكنه خنوع طيوع ، يخاف الحاكم وصاحب السلطة ، لذلك تخلّى عن كل من حاول إنقاذه وتركه لمصيره المحتوم بيد أصحاب الأجندات والمصالح .
شعب تخلّى عن نصرة أمير المؤمنين عليه السلام ، ويبكيه اليوم ، وتخلّى عن ولده الحسين عليه السلام ، ويبكيه اليوم .
شعب قتل مليكه الشاب البريئ ، وسحل فحول السياسة  بالشوارع ، وأحرق مؤسسات الدولة ودور الكتب والحكمة ، وندم على فعلته ،
وصفّق للظالم الجائر المستبد ، وهوّس للملك ولقاسم ولصدام ، ثم هوّس لقتلهم .
وهوّس لعلاوي والجعفري والمالكي وهو يلعنهم ، وسيهوّس لي بالتأكيد اذا اصبحت صاحب شأن في الوطن .
شعب غريب الأطوار . . شعب يستحق أن يُسمّى شعب المتناقضات .
حكامه ومسؤوليه وأولادهم في نعيم . . يتنقلون بين العواصم والمدن لإصطياد الجميلات ، والعقارات ، والمشاريع التي تُزيدهم قوّة وثراء . وهو يعيش في جحيم ، لا يستحق مايجري فيه وعليه ، رغم أنه شعب لايرى إلّا تحت قدمه ، ولايرى أبعد من يومه ، لكنه كريم وبسيط وينسى الإساءة .
شعب يُقتل كل يوم بدم بارد ، وباساليب ماأنزل الله بها من سلطان ، بيد العربان والغربان ، لا لسبب سوى لأن حكّامه جهلة ولا يحملون صفة المواطنة وحب الوطن .
شعب اُقتيد كقطيع خارج محيطه العربي ، ليُرمى به في أحضان الأعاجم  . . .
بأحضان من لايرحمه ولا يحترمه بقدر مايمكن أن يأخذ منه لمصالحه ، بحجج غير مقبولة ولا معقولة .
شعب يقبل الهجرة لأفريقيا ، لأنه يرى فيها الكرامة التي يفتقدها بوطنه ، شعب يعرض افراده جنسياتهم للبيع او المبادلة حتى مع القادمون من المرّيخ . 
في هذه الكلمات لا أبحث عن مجدٍ او سلطة لنفسي ، لكني أبحث عن مخرجٍ اُساعد به شعبي الذي يحتضر ، بسبب ثُلّة قادتها الصدفة ليحكموا ويتحكّموا ، وليضحكوا على عقول شعب عظيم في بلد عظيم ، بإسم الدين ونصرة المذهب ، والدين والمذهب منهم براء .
لقد داسوا على الدين والمذهب باقدامهم لمصالحهم ، لأن أغلبهم كانوا ولازالوا مجموعة من اللصوص والمنحرفين دخلو وحكموا البلد في غفلة من الزمن ، ولم ولن يرف لهم جفن حتى لو مات كل العراقيين .
وصفت العراق الجديد كما يحلو لهم تسميته في اخر مقال لي واسميته . . دولة عبعوب زرق ورق !!!!
وعبعوب لمن لايعرفه ، هو السيد نعيم عبعوب أمين العاصمة ، عاصمة التاريخ والعلم والادب والثقافة والتطوّر والازدهار ، بغداد الحبيبة ، والتي يتبجح أمينها ويقول نحن نقدّم خدماتنا في العاصمة أفضل من نيويورك ودبي وماليزيا وكل دول العالم ، وعندما سأله المذيع بتعجب . . . حتى أفضل من دبي ؟؟؟؟
أجاب نعم ، وماهي دبي إلّا زرق ورق ، وزرق الورق مصطلح عراقي يُشير لأوراق الزينة الملونة الخفيفة التي ليست لها فائدة إلا بجمال شكلها ولمعانها .
فأطلقت على الدولة . . دولة عبعوب زرق ورق . .
كيف لا وفيها جيش  تعدّى تعداده المليون ، مجهّز بأحدث الاسلحة والدبابات والمدفعية والهمرات وغيرها من المستلزمات العسكرية ، ينسحب في أول مواجهة امام عصابة أتتهم بسيارات بيك أب فقط . .
كيف لا وفيها حكومة تطلب من الشعب الإنتفاض  لحمايتها ، بعكس حكومات الدنيا ، فتدفع بمئات الالاف من الجهلة والسذّج لمحرقة الموت لتُنعش نفسها بالبقاء على قيد الحياة .
فهل يمكن تصديق انها لسيت حكومة عبعوب
زرق ورق ؟ .

هل نبقى نجتر الأحداث والمواقف بدون حل ننقذ به ملايين البشر مما هم فيه وعليه .
هل نبقى نُعيد الخطط ، ونرسم الستراتيجيات في كل المجالات وندعوا ونتأمل انها ستنجح ، وكأن هذا الشعب حقل تجارب للجهلة والفشلة يجربون به نوازعهم المريضة .
فوّضت أمري لله وحده ، فله الشكوى ، ومنه الهدى في ماعساني افعله  .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مواطن عراقي .