الكراهية استشرت بين العراقيين. ليس فقط بين العامة، بل امتدت حتى في صفوف المثقفين من صحفيين وكتاب وفنانين.
يعيش العراق اليوم في اسوأ الظروف والحالات، ليس فقط بسبب حروبه وصراعاته الداخلية، وانتشار الارهاب الاعمى في الكثير من الاماكن في البلاد، بل بسبب زرع الكراهية بين ابنائه وتنمية الاجيال على كره الاخر، بعد ان زرعت في عقولهم وقلوبهم أي في قلوب وعقول اطفالها واجيالها انهم مبغوضون منه.
ان الكراهية هي من العوامل المهمة في حصد النفوس واراقة الدماء وزهق الارواح، فضلا عن تقسيم المجتمعات على اساس عرقي وديني ومذهبي.
استفحلت هذه الظاهرة في عراق اليوم حيث لم يكن يشهدها من قبل. فالسني يطلب من اولاده ان لا يصاهروا رافضة ولا يختلطوا بهم لانهم شيعة مشركين كافرين. والجدة الشيعية تلعن الخليفة عمر (رض) على 'الصاعدة والنازلة' وتؤكد لاحفادها ان عمر ومن تبعه من سنة 'عوج' في النار، فيما يهجر الخليفة ابو بكر البغدادي اقدم مكون عاش في العراق وهو الاخوة المسيحيون، يهجرونهم من ديارهم في الموصل. وهناك من يفتي بالجهاد وهذا من يقطع رقاب بالسيف ومنهم من يعاقب البشر بعذاب الله فيرمي رجالا في النار، واصحاب الحكم يغذون عبر تصريحاتهم النارية هذه الامور ويؤججون المواقف بدلا من تهدئتها لتحقيق مصالح اقليمية.
شخصيات عظيمة يمجدها التاريخ اعطت دمائها قربانا لتربة العراق ولدين الله الحق. فالامام علي بن ابي طالب عليه السلام لا يختلف اثنان عليه بانه من اعدل الحكام، ولم يسجل المؤرخون كشخصية حكمت كشخصيته من عدالة وزهد وتعايش سلمي بين جميع المكونات. يذكر المؤرخون ان الكوفة عندما حكمها علي بن ابي طالب كانت مزيجا من مسلمين ونصارى وصابئة ويهود، فلم تشهد يوما اقتتالا داخليا او فرقا بين مسلم او دين اخر. وتفيد احدى الروايات ان الامام في احدى الايام عندما كان يتمشى في اسواق الكوفة لتفقد الرعية رأى شيخا كهلا يستجدي المارة فبهت وقال يا ويلتاه في دولتي رجلا يستعطي، فقال له مرافقيه يا امير المؤمنين هذا كتابي من الطائفة النصرانية فرد عليهم متهجما غاضبا 'فليكن ان لم يكن اخا لكم في الدين فهو نظيرا لكم في الانسانية'، 'اخذتموه في صغره وعز شبابه، وتركتموه كهلا'.
هذه هي دولة علي التي انبثقت من ارض العراق، دولة العدالة الانسانية، والتكافل الاجتماعي، والمساواة بين جميع اطياف الشعب، بعيدا عن الدين واللون والعرق.
اليوم اصبحنا نستغل اسم امير المؤمين علي ابن طالب عليه السلام رمز الاخوة الانسانية لتحقيق مأرب اخرى، من ثأر، وانتقام، وزرع الاحقاد.
الكراهية استشرت بين العراقيين، ليس فقط بين العامة، بل امتدت حتى في صفوف المثقفين من صحفيين وكتاب وفنانين. احد الصحفيين الكتاب في النجف نشر على حسابه في الفيس بوك تعزية ذكرى استشهاد الامام علي التي تصادف يوم 21 من شهر رمضان، فيقول فيها 'ان الامام على قتل على يد الخوارج الذين يشبهون الورم السرطاني الذي أصاب الجسد الاسلامي من يوم رفع شعار (لا حكم إلا لله) الى يومنا هذا وعلى امتداد التاريخ الاسلامي،، واليوم نرى الجيل الثالث أو المرحلة الثالثة من مراحل نموهم السرطاني متمثلة بالحركة الوهابية وسليلتها القاعدة وبقية المسميات التي تعيث بالأرض فسادا وبالمسلمين وغير المسلمين قتلا واغتصابا وتهجيرا.'
آخر يعزي بطلب اخذ الثأر من القتلة.
وان اتسائل اين نجد قتلة الامام علي؟
امة عراقية تعيش على التاريخ وما خلفه فهذه مصيبتنا. ان الذي قتل علي هو نفسه موجود اليوم عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي يزرع الفتنة والكراهية، فلا يمكن تحميل طائفة باكملها اليوم مجريات ما حصل قبل 1400 عام وما يحصل في الموصل، فلا يمكن القول ان داعش تمثل السنة. فمن يقتل ويهجر وينتهك الاعراض لا يتصف بالانسانية، ولا اعتقد ان هنالك اله يرتضي لمخلوق ان يقتل اخيه على اساس ديني. عز من قال 'لا اكراه في الدين'. فالدين رحمة ومحبة واخاء.
التهجير الذي حصل بالموصل على يد الخليفة ما هو الا وصمة عار على وجه المتأسلمين الذين زرعوا الكراهية.
الاسلام السياسي له الدور الاول في نثر بذور الكراهية في ارجاء الوطن والمعمورة. فهذه القنوات الفضائية التي تنشد الشر والقتل والكل يتحدث بسم الله، جل جلاله خالق الكون الاعظم، اسمى واعظم ان تنطق باسمه السنتهم.
فالبشر سواسية كاسنان المشط، والجميع شعب الله، لا فرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى.
إن الإنسان الحقيقي هو صاحب المشاعر والعطف، وإذا فقد الإنسان عطفه على الناس ورحمته بهم فإنه يتجرد من إنسانيته ويخلع عباءة الكرامة. فالرحمة هي من أرقى صفات الإنسان لأن الرحمة تعني أن يرق الإنسان لآلام الناس فيسعى لمسح تلك الآلام فيحمل همهم ويسعى لإسعادهم فلا يقر له قرار ولا يهدأ له بال إلا بعد أن يرجع البسمة على شفاتهم.
اتقوا الله ايها العراقيين سنة وشيعة واستثني الاقليات من مسيحين وغيرهم لانهم محبون فعندهم الله محبة. اتقوا الله باولادكم واجعلوهم متحابين متآخين كما كان العراقيون زمان. ولنمحي من دفاترنا ازمانا مجحفة، الفرهود والتشريد والتهجير. ولنعلمهم اننا جميعا بشر وخالقنا واحد ومن ام واب واحد، ادم وحواء.
|