نحن نفهم مواقف المعارضة على إنها يفترض أن تتخذ لتعبر عن الآراء الرافضة لأخطاء الحكومة وهفواتها وانحرافاتها وكبواتها المتكررة أو المتعمدة, ويفترض أن تصمم لتعبر عن رفض القرارات والتوجهات التي لا تخدم الإصلاح, ولا تسعى نحو تقديم البديل الأفضل, لكننا لم نفهم حتى الآن أهداف هذه الأنواع الجديدة من المعارضة السلبية, التي هبطت علينا من فضاءات الديمقراطية الطائفية, تارة تكون فيها المعارضة من أجل المعارضة, وتارة من أجل المشاكسة والمقاطعة بقصد تشويه صورة الخصوم بأي ثمن, فتعيق خطواتهم وتتجنب تصويب أخطائهم, وتارة تكون فيها موالية للحكومة ومناصرة لها في الحق والباطل, وهكذا اختفت عندنا المعارضة الايجابية, فتأرجحت بياناتها وتصريحاتها بين العناد والتضاد, وبين الولاء والانحياز, ولم تقدم لنا النموذج الحضاري المطلوب في هذه المرحلة القلقة, ولم تكن فاعلة أبداً في القيام بدور المعارضة الوطنية, التي يفترض أن يكون هدفها الأساس هو البناء وليس الهدم, ويفترض أن تضع في أولوياتها مصالح الشعب العراقي, وتدعيم أمنه واستقراره, وان لا تقف خلف دعوات التقسيم والتفريق والتمزق, فتفتعل المشاكل والأزمات, وتشحذ على أبواب أعداء العراق, لتستجدي منهم المال والسلاح, وتتفانى في تنفيذ خططهم العدوانية الهدامة. . من منكم سمع بمعارضة يحمل أقطابها الجنسيات المزدوجة والولاءات المتعددة, ويعيشون في الفنادق الفخمة, ويمضون أجمل أوقاتهم في الشقق المفروشة, والشاليهات الفارهة, والقصور الأوربية المنيفة ؟, ومن منكم سمع بمعارضة غارقة في البذخ والترف, تتلاعب بمصير شعب محروم كيفما تشاء ومتى ما تشاء ؟, ومن كان فيكم يتوقع ما آلت إليه أحوالنا البائسة في الألفية الثالثة عندما عادت بنا الأجندات السياسية والسيناريوهات الطائفية والمواقف الفوضوية إلى خنادق المعارك البالية, التي دارت رحاها في القرن الهجري الأول ؟. . لا يوجد في الأعراف السياسية ولا في المنطق العقلاني حاكم معصوم من الخطأ حتى لو كان عبقريا في نبوغه وفطنته وحنكته, وحتى لو كان بإقدام عمرو وسماحة حاتم وحلم أحنف وذكاء أياس, وحتى لو امتلك حكمة كونفوشيوس, وجسارة هنيبعل, وصلابة زرادشت, وبساطة غاندي, وتواضع خوسيه موخيكا, ونضال جيفارا, ووطنية مهاتير محمد, وبسالة جنود الساموراي, وعذرية الأم تريزا. . ثم إن العبقرية والدهاء السياسي لا تعني العصمة, ولا تعني التشبث في المواقف المعارضة لمصلحة الشعب العراقي, فالعراق ليس ملكاً لأحد, ولا كرة تتلاعب بها الأطراف المتنازعة على السلطة, ولا حقلا استثمارياً من حقول الكيانات السياسية الغارقة في تجارب التخريب والتغريب. . العراق شجرة طيبة مغروسة فوق أكتاف الرافدين وفروعها ملتفة حول كوكب عطارد تؤتي أكلها كل حين وحتى قيام الساعة, والشعب العراقي أعرق السلالات البشرية وأقدمها بإقرار واعتراف علماء الأجناس, فمن غير المعقول أن يكون مصيره بيد فئة من تجار الفرصة الذين مارسوا التناحر فيما بينهم عن طريق الانتقام من الشعب العراقي نفسه, وعن طريق تفخيخ أسواقه وتفجير مدارسه واغتياله بالمسدسات الكاتمة, ونسف مستقبله بالعبوات اللاصقة والمواد المتفجرة, فسلبوا راحة الناس بافتعال الأزمات وتصنيع الحوادث. . ولسنا مغالين إذا قلنا إن الأعمال الإرهابية التي استهدفتنا نحن جميعا, والتي اشتملت على النسف والتفجير والخطف والتهجير كانت من ضمن أنشطة العناد والتضاد السياسي الذي برعت به الفئات المستهترة. . كنا نعتقد أن المعارضة والموالاة هي الفلاتر الصحيحة لتصفية المواقف التي تخدمنا, وهي التي تعزز مسيرتنا نحو بناء المجتمع الآمن المستقر, وتضمن لنا الرخاء والعدالة الاجتماعية المنشودة, وتزيح عنا الهم والغم بعد أن أرهقتنا المصائب والنكبات, ولم نكن نعلم أنهم سيمتطون ديناصورات العناد والتضاد, ويخربوا البلاد ويبعثروا العباد من أجل إخضاعنا لتجاربهم الفاشلة, وإدعاءاتهم الباطلة. . . والله يستر من الجايات |