بسبب المحاصصة المقيتة، وتداعيات الاحتلال الأمريكي لبلدنا، والتركة الثقيلة جدا للنظام المقبور، وغياب التقاليد والثقافة الديمقراطية، فضلا عن الاقتصاد الريعي، وتأثيره السلبي على بناء نظام ديمقراطي حقيقي في العراق، تكونت لدينا، نخبة سياسية ابتعدت غالبيتها عن المفهوم السليم، لعلم السياسة، باعتبارها وظيفة سامية لتدبير الشأن العام، وليست وسيلة للإثراء غير المشروع، أو للوجاهة الاجتماعية، او لغيرها من الأسباب والدوافع التي كثرت، لكن النتيجة واحدة وهي الفشل الذريع. لا يخفى على اللبيب ان هناك فرقا شاسعا بين السياسي، خاصة الفاسد، وبين رجل الدولة وهو كالفارق بين الثرى والثريا. فمثل هذا السياسي لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، وتبعا لذلك يكرس جهوده ونشاطه ويوظف موقعه الرسمي لمصلحته الشخصية او لمصلحة حزبه، او طائفته دون الاهتمام بمصالح الفئات والشرائح الاجتماعية والقوى السياسية الاخرى، بالمختصر لا يعنيه الشعب بمجموعه شيئا، بينما يرى رجل الدولة الأمور بمنظار آخر، وان كان ينتمي لحزب معين، فهو يتعامل مع الجميع باعتبارهم سواسية أمام القانون، ويعتمد الكفاءة والمصلحة الوطنية معايير أساسية، في تنفيذ مشروعه وبرنامجه، وفي إناطة المسؤوليات لمن يستحقونها فعلا، العراق لا تنقصه الكفاءات السياسية، او الاقتصادية - الاجتماعية وفي شتى المجالات. لكنه ابتلى بداء وبيل، وهو الطائفية السياسية، فضاقت الفرص المتاحة أمام هذه الكفاءات، وبالتالي تقلص الى حدٍ كبير الوجود الفعلي لرجال الدولة، مقابل تضخم عدد السياسيين، الذين لا يرى بعضهم في ممارسة السياسة سوى اللعب على الحبال، او كيف يملأ جيوبه بالمال الحرام، بل ان البعض الآخر، لا يفهم السياسة إلا شق الطريق بين الجثث، وبين هذا وذاك تجد من لا يفرق بين "الشلغم ورأس البصل" ومع ذلك تراه يتصدر شاشات الفضائيات، ووسائل الإعلام بوقاحة يحسد عليها. رجال الدولة لدينا قليلون، وهذه معضلة كبرى، لكن عددهم سيزداد وتصبح الغلبة لهم، اذا استطاع العراقيون التخلص من هذه البلوى (المحاصصة الطائفية - الاثنية). وللإنصاف نقول، يقف في طليعة رجال الدولة في عراقنا الجريح، رئيس الجمهورية، الذي نتمنى له موفور الصحة والعافية "جلال الطالباني"، فقد تعامل مع الجميع بقلب كبير، ونضج سياسي وحكمة تدعو الى الإعجاب، فكان صمام أمانٍ حقا، ولعب دورا مؤثرا في تجسير الهوة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، وفي كل العملية السياسية. وكان عنصرا جامعا لكل القوى والشخصيات المؤمنة بعراق ديمقراطي فيدرالي موحد، بل انه حتى في المطالب الكردية المشروعة، وجدناه موضوعيا وحريصا على تعزيز الأخوة العربية - الكردية، وباقي القوميات في العراق. إسمعوا ما قاله للوكالات في مقابلة معه جرت يوم 3/ 12/ 2012 (ان الشعب الكردي مارس حق تقرير المصير باختياره البقاء مع العراق الفيدرالي الموحد) مشيرا الى ان 95 بالمئة من الشعب الكردي وافق على الفيدرالية والبقاء ضمن العراق، ولم يقبل الاستقلال. وأضاف ان قناعته الشخصية، هي ان الاتحاد الاختياري الفيدرالي، هو الحل الصحيح للقضية الكردية، وهو الذي يحقق طموحات الشعب الكردي، مشددا على ان شعار الانفصال، غير واقعي وغير قابل للتحقيق. كما كانت له آراء حصيفة أيضا في تطبيق المادة (140) وعدم أحقية اي طرف بإلغائها. ما أحوجنا الآن الى رجال دولة، بمستوى وروحية "مام جلال" لكي ننقذ الوطن من بلواه.
|