إنجازات العراق من الناحية المأساوية لا تنتهي، فكل يوم تأتي بحلة جديدة ووجه متجدد! مؤامرات تُحاك ومسلسل لا تنتهي أجزاءه، كانت البداية مُفاجئة ومُتقلبة وباتت النهاية ضائعة وبدون معالم! العالم ساكت لا يحرك ساكنًا غير أنه ينتقد الممارسات ويرفع الشعارات التي لا تأتي بأي نتيجة! يستنكرون ويهبّون للتعويضات التي تدخل جيوبهم أولا، يتاجرون بالاسم المسيحي ويبيعون ويقتلون نفوسًا وبثمنها يجعلون أنفسهم من أهل الخير. ينادون باسم الحقوق ويفعلون من أجل الدين وهم في الهلاك منغمسين وفي المعصية تائهين!
العالم يتغابى على ما يحصل في الموصل وغيرها من المناطق ويغضّ النظر وكأنه اليوم غير قادر على ردع بضعة أنفار يجولون في البلاد يسلبون ويقتلون ويهددون ويطردون من دون رادع أو محاسبة! أم أن ما يحصل اليوم هو حلقة تضاف إلى الأخريات السابقات وتتمة لها ولكن لا نعرف لها نهاية ولا مصير؟!
لم تعد المسألة من أجل تقسيم بلد فقط، بل أصبحت النوايا أكبر وأبعد من ذلك، أنه التشريد والضياع والزوال الكلي في البقاع، هكذا يعملون من أجل أندثار الشعوب في بلاد غير بلادها، هكذا يحاولون أن يقطعوا أواصرهم من جذورهم في بلد عمقها بعمره، هكذا يحاولون قتل واختزال خير الأرض التي تخرج من رحمها كل أصيل، هكذا يحاولون تحريف التاريخ وتشويهه بالشوائب المترسبة في العقول، هكذا يحاولون جعل الشر قنبلة موقوتة تتفجر كلما تفجرت نفوسهم المريضة والشريرة والخبيثة والعابثة بالحياة! هكذا تتحكم المصالح بالنفوس وتبيعها بأرخص الأثمان وهكذا يدور فلك المجهول في بلد كان ولا يزال يسير في المجهول من قبل مجهولين لا وطن لهم ولا دين.
يقول كارل يونج Carl Jung عالم النفس السويسري، أن: " الشعوب تمرض كما يمرض الفرد، وتعالج كما الفرد، بعضها يشفى وفي فترة النقاهة ينتكس"..
ضياع النفس أشد مرضًا من ضياع العقل والجسد، وما يحصل حاليا في العراق وبحق شعبه المسالم أكبر دليل. المكون المسيحي دائما هو الضحية، هو دوما في مقدمة التطهير العرقي وفي مقدمة المنازعات التي تثور، وكأنه هو الدخيل على الأرض وليس صاحبها كما يشهد ويعترف التاريخ بذلك.
مع الأسف وكل الأسف أن نبصر ونسمع اليوم ما يحصل للمسيحي في بلده من أضطهاد وإذلال وحرمان في الحياة الحرة الكريمة! بصراعاتهم وتسابقهم على القتال يتناسون أن هنالك صدورًا تلتهب وتنفث بالحسرات وتتألم مما تعيشه! ألا يفكرون ... هذا لو كان لديهم ذرة شعور؟! ماذا لو كان الوضع عكس ما هو عليه ساعة الحدث، كيف سيكون حالهم ومصيرهم وهم في البقاع سائرين لا مأوى لهم ولا وسادة يضعون رأسهم عليها ولا خبز يسدون به رمَّق جوع أطفالهم؟! ولكن ماذا نقول وماذا نفعل إزاء بشر لا يضعون في بالهم غضب الله! والأغرب في تصرفهم أنهم يدعون الإيمان وهم للمعصية عابدين.
المسيحيون الذين يغادرون مدينتهم الموصل مرغمين، كانوا وسيبقون نور الشرق ونسمة دجلة والفرات، وتراث العراق وتاريخه لن يكون ألا بهم ومعهم، هم سيبقون أصحاب الأرض شاء من شاء وأبى من آبى. الحقيقة لا تخفى بالغربال مهما حاول كل من يُحيك المؤمرات، والربّ هو دوما مع المظلومين وينصرهم على الظالمين وإن طال بهم الأمد. ونتمنى الشفاء لبلد يدعى العراق قبل أن يضيع اسمه تدريجيا كما يضيع شعبه ... نتمنى التخفيف من العنصرية والطائفية والتمييز على أساس العرق والدين ... نتمنى أن تكون هنالك مصداقية ومصالحة وصناعة بلد جديد وبدستور جديد ... نتمنى أن يكون هنالك دور للكفاءات والعقول والمفكرين وأصحاب الضمائر في قيادة البلد وانتشاله من الحضيض الذي هو فيه .... نتمنى أن تكون هنالك روح وطنية مفعمة ومتجددة تثور من أجل البلد وساكنيه عندما تدق ساعة الخطر ... نتمنى ونتمنى ولابد للأمنيات من أن تتحقق.
|