نسيم الحداثة لا يخلوا من الغبار

 

في يوم من الايام الجميلة في حياتي وانا اتمشى مستمتعا بأجواء الربيع في احد الازقة القديمة ، فوجئت بظاهرة غريبة وحادثة لم يسبق لي ان رأيتها حتى عندما كنت طفلا العب في ازقة الحي العتيق ، فوجدت طفلا صغيرا يبلغ التاسعة من عمره يقوم بالسب والشتم على رجل كبير في السن ، توقفت وتكلمت معه : اصمت يا ولد اصمت ...هل تعلمت في بيتك معنى احترام الكبير ؟ وهل تستمع الى التوجيهات الدينية والتعليمية التي تؤكد على اتباع مكارم الاخلاق ؟ ..... سكت الطفل لبرهة وقال لي : ما شأنك يا رجل ؟ اجبته غاضبا : ان الزمان يتطور الا مع العادات والتقاليد فانه يتقهقر .
وانصرفت. تلك ظاهرة من الاف الظواهر السلبية التي بدأت تغزو مجتمعاتنا المحافظة وتقاليدنا وبشكل تدريجي دون الادراك بها ، هناك اسباب ساعدت في نمو هذه الطفيليات الاخلاقية سأذكر جزء منها ، السبب الاول تشتت الفكر على يد البرامج المتعددة على شاشة التلفزيون ، فهناك العشرات من الاقنية الفضائية التي تقدم برامج مختلفة وأيدولوجيات متباينة مما يجعل الطفل مشوشا فكريا ولا يعرف على أي طريق سيسير .السبب الثاني عدم وجود برامج اجتماعية حقيقية لترميم التراث الاجتماعي وجعله واقعا على الارض فالموروث الشعبي في بلادنا يزخر بالعديد من العادات
والتقاليد الحسنة والصفات المثالية ، واخيرا عدم اهتمام اولياء الامور بمتابعة ابنائهم وبناتهم وحثهم على الاقتداء بالموروث والتوازن بين الحداثة والتراث ، ولا نستثني من ذلك وزارات الثقافة في الدول العربية والتي لم تعتمد برامج ثقافية موسعة بهذا الشأن والاعداد لمشروع حقيقي لإحياء التراث من كافة اشكاله الاجتماعية والتاريخية ، اضافة الى تفعيل دور علماء واساتذة الاجتماع في الاطلاع الفعلي على الظواهر والامراض الاجتماعية ودراسة اسبابها والسبل الكفيلة لعلاجها ، فالجميع هنا امام مسؤولية تأريخيه لمواجهة المد الاجتماعي المغاير
بشتى انواع وعدم تقبل الظواهر الا بعد فحصها ما هو الا دليل على تقدم الامم ...