غزة .. الجرح النازف ! |
غزة تعني العزة والكرامة والقوة والعنفوان والجبروت ، وهذا ما تعكسه الأحداث وتجسده الحقائق والوقائع على الأرض ، في صمودها وتصديها ومقاومتها الباسلة للغزاة ، وفي ومواجهة حرب الإبادة الجماعية التي يشنها حكام إسرائيل المتغطرسين والمدعومين من محراك الشر ، أمريكا ، رأس الأفعى . هذه الحرب الدموية البربرية الهمجية العدوانية ضد شعب اعزل ، التي سحقت الورد ، وطالت الشجر والحجر والبشر ، وغرست الموت الذي تفوح رائحته في كل حي وزقاق وشارع من أحياء وشوارع وأزقة غزة ، التي تحولت إلى كتلة من اللهب والدمار والخراب . لقد دخلت هذه الحرب أسبوعها الثالث ، ورغم بشاعة وفظاعة المجازر الدموية في الشجاعية وبيت حانون وخزاعة وخان يونس وعبسان وغيرها من القرى والمخيمات والتجمعات والأحياء السكانية في القطاع ، وسقوط مئات الضحايا والشهداء وآلاف الجرحى والمصابين ، إلا أن غزة النازفة الأبية صامدة تحت نيران وأزيز المدافع والقصف الصاروخي ، تدفن شهداءها ، وتضمد جراحها ، وتنهض من جديد وتقاوم ، دفاعاً عن حرية والوطن والشعب والكرامة الوطنية المهدورة والغائبة ، وتكتب بدماء أبنائها ملحمة أسطورية من ملاحم النضال والثورة والمقاومة ، وتصنع تاريخاً جديداً لشعبنا ولأمتنا العربية . أن ما يبعث على الألم والغضب والحيرة والتساؤل هو الصمت العالمي ، والصمت العربي الرسمي الذي يقابله صمت شعبي بعد ثلاثة سنوات من الربيع العربي ، إلا من مظاهرة هنا وهناك ، وتحرك في هذا البلد أو ذاك . فالزعامات العربية وقيادات الجامعة العربية وأنظمة العهر والعار الذين عقدوا الاجتماعات المتواصلة وشكلوا اللجان وسلحوا الجماعات التكفيرية المتأسلمة والداعشية المتطرفة ودعموها بالمال لتدمير سورية وتفكيكها وتقسيمها ، فإنها تقف عاجزة اليوم عن الاجتماع واللقاء ونصرة غزة والوقوف مع شعبها ومساندته في التصدي ومقاومة العدوان الاحتلالي الغاشم ، بل هي شريكة فيه وجزء من المؤامرة الصهيونية الامبريالية الاستعمارية الرجعية ضد شعبنا وقضيته ، وضد قوى المقاومة الوطنية الفلسطينية بغرض الإجهاز عليها وسحقها ، وقهر الإرادة والعزيمة الغزاوية ، التي زادت عزة وكبرياء وشموخاً ، واغتيال ثقافة الرفض والمقاومة وأبجديات الثورة ، وتصفية القضية الفلسطينية ، وتكريس الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المغتصبة . منذ اليوم الأول للعدوان راح جيش المحتلين يمطر شعب غزة بالموت عن طريق المدفعية والطائرات ، متبعاً سياسة الأرض المحروقة ، ووصلت عنجهيته إلى خرق جميع المواثيق الدولية والأعراف المتفق عليها دولياً في زمن الحروب ، من استهداف للمدنيين واقتراف المجازر بحقهم واستخدام أسلحة محرمة دولياً ، وقاموا بقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف والمدارس ودور العبادة وبيوت المدنيين العزل ، ولجأوا للحرب البرية بعد فشل عدوانهم الجوي ، ولكن لا القصف الجوي ، ولا الغزو البري حقق أهداف حكام إسرائيل بسحق وتصفية المقاومة الفلسطينية ، وكسر إرادة وعزيمة الشعب الغزي ، وأظهرت المعطيات والمشاهد من ارض المعركة أنه كلما اشتد القصف اشتد أوار ووتيرة المقاومة . إن حكام إسرائيل ، ونتيجة غطرستهم وعنجهيتهم وكبريائهم واستبدادهم ، لم يتعلموا الدروس ، ولم يستخلصوا العبر من حملاتهم العسكرية وحروبهم السابقة ضد غزة ، ولم يدركوا حتى هذه اللحظة أنه لا يمكن سحق وتصفية المقاومة ومنع الصواريخ وتدمير الأنفاق بكاملها ، وان الحرب هي معركة خاسرة لن يستفيدوا منها سوى المزيد من نزيف الدم وقتل المدنيين وتكبد الخسائر في صفوف جيشهم وشل السياحة وانهيار الاقتصاد وزيادة الكراهية بين الشعبين . فالهدوء والأمن والرخاء والاستقرار لن يتحقق بالمدافع والدبابات والطائرات والبارود ، وإنما يتحقق فقط بالحوار السياسي وتعزيز الثقة والتعايش السلمي وأغصان الزيتون والاعتراف بحق الشعب الآخر بالحياة والوجود والحرية والاستقلال ، وشعب يحتل شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً . إن التعاطي المهادن الذي أبدته الأسرة والمجتمع الدولي تجاه هذه الحرب، والدعم السياسي الذي لاقته إسرائيل من أمريكا والدول الكبرى الأخرى لعدوانها الغاشم ، بناءً على حقها في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها ، يجب أن يتحول على ضغط عالمي وتحرك شعبي حقيقي واسع لإدانة المجازر ووقف العدوان حالاً ، وليس هدنة إنسانية ، وحماية شعبنا الذي يواجه الموت والقصف والدمار ، وتقديم مجرمي الحرب الذين يقترفون المذابح اليومية البشعة بحق أبناء وأطفال شعبنا الفلسطيني ، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية . فيا شعبي ، يا عود الند يا أغلى من روحي عندي لن نرضى عذاب الزنزانة وقيود الظلم وقضبانه ونقاس الجوع وحرمانه إلا لنفك وثاق القمر المصلوب ونعيد إليك الحق المسلوب ونطول الغد من ليل الأطماع (توفيق زياد)
|