ما يميزنا أننا نبدو بعيون الآخرين, كمخلوقات آدمية منفعلة إلى درجة الأجيج والإضطرام , والإحتراق الذاتي والموضوعي. وكأن الواحد منا كبسولة بارود تلتهب بشرارة الكلمة. قد تتفقون أو تعترضون أو تتعجبون! لكننا لكي نكون علينا أن نواجه أنفسنا بجرأة وشجاعة ومسؤولية. فتفاعلنا إنفعالي صاخب , ما بيننا كأفراد وجماعات وأحزاب وغير ذلك من التفاعلات. لغتنا , نظراتنا , وقفتنا كلها منفعلة. وقسمات وجوهنا ذات تعابير حادة غاضبة تكتم عواطف مستعرة مخنوقة. وطريقة كلامنا مع بعضنا قتالية. وما ننشره على صفحات الجرائد والمواقع الإليكترونية , معظمه مكتوب بمداد الإنفعال وأقلام الإعتراك والتنابز بالجمرات. فماذا يجري في عالمنا الذاتي وماذا نصنع من حولنا؟ هل نحن كرات نارية تتدحرج إلى جحيمات جهنم الإنفعالية؟ لماذا لا نتعامل بأسلوب إنساني حضاري؟ لماذا نلبس أردية مضى وما انقضى , ونستهلك طاقاتنا لحل مشاكل الأجداث؟ لماذا وألف لماذا وأكثر؟ إنه واقع إتلافي وإرادات تدميرية لا واعية فاعلة في أعماقنا , التي أخذت تخلع ثوب الوطن , وتحرق راياته بنيران الإنفعالات السلبية الهوجاء. وأصبح البشر يستحضر دواعي التدمير الذاتي والجماعي , وكأنه يختزن طاقات إنتحارية صاخبة , تريد أن تنطلق لتمحق وجوده وتدمر كيانه. فالإنفعالات الجائرة قد إستعبدت عقولنا , وحولتنا إلى عبيد لطاقات أخرى , تعرف مهارات الإفتراس والإمتلاك , والتسخير لغاياتها وتطلعاتها وأهدافها المنشودة. ونحن جميعا وبلا إستثناء , نسير مقيدين بإنفعالاتنا وعواطفنا المؤججة بأساليب وقدرات وآليات متطورة وخبيرة , لها الدراية بتحويل الفرد البشري إلى قوة مضادة لذاته وموضوعه. فلا نعرف حلا لأبسط المشاكل , بل نتداعى كالأسرى في زنزانة الخراب والدمار والتلاحي وسفك الدماء. وكل منا يسترشد بإنفعالاته وعواطفه العمياء , التي صار العقل مطيعا أمينا لها , بعد أن تم ترويضه وصناعة محطات التواصل والإرتباط في مراكزه الأساسية , حتى أصبح مبرمجا لإستجابات أوتوماتيكية سيئة حمقاء , وهو يرفع رايات أمّارة السوء والبهتان والتضليل والخسران. وربما بلغ السيل الزبى , ولا بد من صيحة راشد ونداء حكيم غيور. وعقل متوهج فعّال , يسري في ديجور الإنفعال والثبور؟ فامتشق أيها الإنسان عقلك الحضاري , ولا تتركه مغمدا في ظلمات الإنفعال والإنكسار والسجور. فالحياة يصنعها الذين يدركون الرحمة الألفة والمحبة ومعاني النور!
|