الامثال في توصيف الاحوال: "أخوك من واساك بنشب لامن واساك بنسب"
-الجدّات معين لاينضب للامثال، الشعبية منها و الفصيحة، فكثير من الجدات تمتعن بثقافة فطرية قد لايتمتع بنصفها بعض الخريجين وحملة الشهادات في هذه الايام. أحد الامثال التي كثيرا ما رددتها الجدات المسيحيات العراقيات لم يكن واضح المعالم وقل غير مفهوم في كثير من الاحيان الا وهو: "السبت يجي وغانو* الاحد" او بصيغة أخرى: "اليهود قالوا: احنا السبت وانتم الاحد"، وظن كثير ممن سمعوه أنه يتحدث عن الايام المقدسة لدى اتباع الديانتين، أو لعله يعلّم، من جهل أيامم الاسبوع، أن التسلسل المنطقي أن يأتي السبت فالاحد ثم باقي الايام حتى نصل الى الجمعة. لكن ماحصل في الموصل الايام 17و18و 19/6/2014 من تهجير جماعي لمن تبقى من العوائل المسيحية فيها واخراجهم من مدينة هم سكانها الاصلاء الاصليون صفر اليدين بعد الاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم واموالهم ومصوغاتهم من قبل الجماعات المسلحة التي تسمي نفسها (الدولة الاسلامية)، في مشهد يعيد الى الاذهان حوادث الفرهود التي طالت اليهود العراقيين قبل تهجيرهم قسرا في أربعينيات القرن الماضي، وربما شيئا من ذكريات أبعد لحواث ومضايقات طالت المسيحيين جنوب تركيا الحالية، قبيل مذابح سيفو، أجبرت كثيرين منهم على الهجرة الى مدن أكثر أمانا في العراق وسوريا ولبنان وسواها وصولا الى وقوع الكارثة التي تمر ذكراها المئوية الاولى العام القادم. ما وقع في الموصل قد يوضح فحوى هذا المثل بعض الشيء، لكن ربّ سائل يسأل: إن كان الاحد يتلو السبت مباشرة، لكن، أليس الجمعة بعد كليهما ولو بعد حين؟ ترى ما قول من صفقق وهلل لداعش وسواها من المسلحين وفتح لهم الابواب فيما يقع من تفجيرات لجوامع النبي يونس والنبي شيت والنبي جرجيس وسواها وتدميرها دمارا تاما لم يرحم قبة ولا مئذنة؟ فضلا عن مرقد العلامة ابن الاثير ونصب وتماثيل لأعلام موصليين عظام وما طال الكنائس والديورة من حرق وسلب تدنيس وكذا دور العبادة الاخرى، الامر الذي لايمكن فهمه الا انه تدمير متعمد لحضارة عمرها مئات بل آلاف السنين في مسقط رأس التاريخ والحضارة، أرض ما بين النهرين، مما يدمي القلب و يَكلِم الروح. ربما كان بالامكان تجاوز كل تلك المصائب لو تمثل اولئك المصفقون المثل القائل: "أنا وأخويه على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب" أو لو انهم سمعوا قول السيد المسيح له المجد: "لا تُعطُوا الكِلابَ ما هَو مُقدَّس، ولا تُلْقوا لُؤلُؤَكُم إِلى الخَنازير، لِئَلاَّ تَدوسَه بِأَرْجُلِها، ثُمَّ تَرْتَدَّ إِلَيكُم فتُمَزِّقَكُم".
- العاشر من حزيران 2014 لم يكن يوما كسائر الايام، فقد وقع فيه حدث كبير، بل مصاب جلل: لقد سقطت ثاني أكبر مدن العراق بأيدي مسلحين تشير بعض المصادر الى أنهم من تنظيم (داعش: الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وتؤكد أخرى أنهم البعثيون السابقون فيما يتردد على أحد المواقع أنهم اتباع الطريقة النقشبندية بينما يتوقع موقع آخر أن يكونوا مزيجا من كل ما سبق وربما من تنظيمات اخرى والله أعلم. المواطنون يتساءلون: "ايه لمّ الشامي عالمغرَبي؟" و عن هذه الخلطة الهجينة بل قل الطبخة التي لم تزل على نار هادئة منذ شهر ونيف ولم تؤت أُكـُلها بعد، لعل طباخها لم يكن ماهرا بالقدر الكافي. المهم في الامر أن ما حصل قد ألقى بظلاله القاتمة على حياة ملايين من العراقيين من أهالي محافظة نينوى من مختلف القوميات والاديان والمذاهب: بعضهم نزح الى كوردستان وبعض آخر قصد خيم ايواء اللاجئين مستجيرا بظلها من قيظ الصيف. آخرون، وهم كثر، مازالوا متحصنين في بيوتهم ينتظرون أن يفي واحد من كبار المسؤولين بالدولة العراقية بوعده أن يدحر هؤلاء المسلحين خلال (24) ساعة رغم الانسحاب (التكتيكي) لقيادات الجيش العراقي والعسكريين المسؤولين عن حماية المنطقة التي لم يعد للجيش فيها من وجود. الادهى أن الصراع اتسعت رقعته لتشمل تكريت وسامراء وضواح اخرى بمحافظة صلاح الدين غير بعيد عن العاصمة بغداد. والموقعة الأشهر كانت الصراع للسيطرة على مصفى بيجي شريان تغذية العراق بالمنتوجات النفطية الذي تدّعي بين الحين والآخر جهة ما السيطرة عليه... وكثير من التفاصيل التي يعرفها المواطن..لكنه لايعرف متى ستنقضي الساعات الاربع والعشرون الموعودة أم أن الحال بات كما قال المثل العربي: "إتسَّع الشَّقُّ على الراتق"
-لم يكن متوقعا أن تتحول قرى سهل نينوى الآمنة نسبيا الى ساحة حرب، ولم يخطر على بال أحد أن تؤدي المناوشات التي وقعت على تخوم قرةقوش (بغديدا حسب التسمية السريانية)، مركز قضاء الحمدانية، الى حركة النزوح الهائلة التي طالت معظم سكان البلدة، الاصلاء منهم والوافدين على حد سواء، عشرات الآلاف من البشر نزحوا خوفا من القصف وخشية وقوع الاسوأ ربما، حشود انتقلت فجأة الى القرى الابعد عن خط المواجهة مع المسلحين الذين يسيطرون على الموصل، والعدد الاكبر قصد كوردستان لاسيما بلدة عنكاوا باربيل. المتوقع، بل ما فاق التوقعات، هو الاستقبال الذي حظي به هؤلاء حيثما حلوا، إذ وجدوا في كل مدينة وبلدة وقرية لجأوا اليها أهلا وإخوة حقيقيين لا يقيسون الآخر بمقياس ديني او عرقي، بل بمقياس انساني، سعوا على قدم وساق الى توفير المأوى أولا ثم الفراش والطعام والماء، بل شكلت بعنكاوا خلية أزمة باشراف ابرشية اربيل الكلدانية وبالتعاون مع حكومة الاقليم لادارة شؤون اللاجئين على أحسن وجه حتى سنحت لهم فرصة العودة الى بلداتهم آمنين سالمين شاكرين كل من وقف الى جانبهم وساندهم في محنتهم التي لم تطل بحمد الله ولسان حالهم يقول: أخوك من واساك بنشب لا من واساك بنسب. |