تدّعي البلدان الغربية ، في مناسبة و من دون مناسبة ، أنّها بلدان علمانية لا تفرّق بين الأديان و لا تحابي أتباع أحدها على حساب أتباع الآخر . هذا الكلام الرومانسي قد ينخدع به الحالمون باليوتوپيا العلمانية الغربية ، الذين لم يسبق لهم العيش في بلدان الغرب . أما الإجراءات العملية على الأرض ، فتفصح عن شيء آخر مغاير . و تبدو الإعتراضات الشعبية و الرسمية الواسعة في كبريات مدن الغرب على تهجير عصابات داعش الإرهابية مسيحيي الموصل بعد أكثر من شهر على احتلال المدينة العراقية ، ترجمة عملية لهذا الشيء الآخر المغاير . لأكثر من شهر ، لم يُهجّر المواطنون العراقيون المسلمون التركمان و الشبك من مدنهم في محافظة نينوى فحسب ، بل انتُهكت أعراضهم و صودرت ممتلكاتهم و استبيحت بيوتهم و نُكّل بجثث شهدائهم و فُعل بهم ما لم يفعله المغول و التتار بضحاياهم ، و مع ذلك لم تنبس البلدان الغربية العلمانية و الديمقراطية و المحبة لحقوق الإنسان ببنت شفة ، إلا على استحياء أحياناً ، مصرّة ً على تصوير هذه الجرائم و كأنها حربٌ أهلية لا يليق بالغرب المتمدن أن يتدخل فيها . لكن عندما وصل الأمر إلى " الإخوة في الدين " تغيّرت الموجة و تعالت النبرة ، حتى بلغت القضية بوزيرين سياديين في فرنسا ( وزيري الخارجية و الداخلية ) أن يصدرا تصريحاً مشتركاً يعبّران فيه عن استعداد بلادهما لاستقبال المسيحيين العراقيين النازحين كلاجئين في فرنسا . فرنسا هذه ، ذات الأخلاق السيئة ، التي لم تفتح أبوابها أمام أي طالب لجوء مظلوم من العراق و غيره فيما سبق و لحق ، و التي تعتبر أقل بلدان العالم المتحضر احتضاناً للآخر المختلف ، بل و التي لا يروق لها أن تسمح حتى للمواطنين الأوروپيين من بلدان القارة الأخرى بأن يقيموا على أرضها كما يقيمون في إنگلترا أو أسپانيا أو إيطاليا و غيرها ، تنتقي اللاجئين لا وفقاً لحاجتهم إلى الحماية و الدعم و المساعدة ، و إنما وفق معايير فئوية مريضة ، طالما حاول الغربيون التنصل منها . كثيراً ما قلنا و قال كثيرون ، إن العلمانية الغربية و الفصل بين الدين و القرار بضاعة تسوّق إلينا فحسب ، و إلاّ - مثلاً - ما معنى أن تُمانع حكومة إنگلترا في إعلان عيد الفطر الإسلامي و عيد " ديڤالي " ( عيد النور ) الهندوسي و السيخي عيدين رسميين ، رغم كون معظم الأعياد الرسمية الإنگليزية أعياداً دينية مسيحية تم تغيير أسمائها فقط إلى " عطل بنكية " ، و رغم كون الجاليات الثلاث ؛ المسلمة و الهندوسية و السيخية تؤلف بضعة ملايين من سكان البلاد ؟ و أخيراً ، كلمة لشعوبنا الشرقية : لا تذهبنّ بكم الأحلام مذهباً تعتقدون معه أن هناك شخصاً أو كياناً في هذا العالم متجرّداً من انتمائه الأساس لصالح انتماء آخر مختلف ، إلّا الكثير منكم فقط ، ممن تسلب لبّه الشعارات و الكلمات و الإدعاءات !
|