كل التبريرات التي قدمت حتى الآن في بغداد بشأن ظروف وملابسات سيطرة داعش وأخواتها على العديد من المدن، ومساحات واسعة من الاراضي، وإقترابها من بغداد، تعكس إفلاس أصحابها وفشل السياسات التي ينتهجونها، وضحالة الثقافة التي يحملونها.
والحديث عن إنتصارات الجيش على الارض كل أربعاء من قبل رئيس الحكومة المنتهية ولايته، وتصريحات قاسم عطا اليومية، أحاديث معيبة غير متوازنة تدل على أن تلك التبريرات والمقولات تعزف على إيقاعات غير واقعية، ومجتزأة من صورة شديدة التعقيد تحاول أن تختزل المشهد خيالياً وترسم خطوطاً وهمية لأعداء مختلفين، إيماناً بأن الغاية تبرر الوسيلة وأن أعداء الأعداء أصدقاء.. ولكن سرعان ما تبرز بين سطور التبريرات أحكام اعتباطية وغير معقولة، لايمكن تصديقها أو الموافقة عليها حتى من أقرب المقربين.
هذه السذاجة التي تبنى عليها ممارساتهم المرتبكة والتي خرجت من قاموس العقلاء منذ زمن، ما زالت تصدر عن عقولهم التي ما عادت تميز بين الأخطار التي تتعين مواجهتها وبين الانهيار الكارثي للمجتمع العراقي جراء ثقافة السحق والتفكك والتشرذم الطائفي التي تسيّدت على العملية السياسية، وإضمحلال معاني المواطنة والتعدد في مجتمع ودولة سمتهما الأساسية هي التوزع على انتماءات شتى..
بتلك السذاجة يحاولون العثور على القوة الخارقة والدفاع السحري في وجه التقدم الدواعشي، دون البحث عن الأسباب التي أباحت الهيمنة الدواعشية، بل بالإصرار على استسهال الأمر الذي أصبح واقعاً لا مفر من التعايش والتعامل معه، بعد أن كان لايخطر على البال، ودون البحث عن أدوات المواجهة السياسية ثم الأمنية والعسكرية والتهيؤ للتغييرات التي قد تطرأ في مقبل الأيام.
ظهر المالكي بعد ساعات من سقوط الموصل وأعلن الوصول إلى خط النهاية لمسار طويل من التفكك والإنهيار والفلتان الامني، وإستعادة زمام المبادرة بعد ساعات وربما أيام، والبدء بمسيرة النجاحات، وكعادة المغرورين المتسلطين المستبدين تجاهل المراجعة النقدية لمآلات الوضع، ومرت أسابيع، وأكثر من خمسين يوماً، ومازالت مصائر وأساطير الانتصار على الأعداء في خانات الخيال التي لا يستخدم المنطق، المنطق الذي ابتذل معانيه عنده وعند مستشاريه، المنطق الذي يستطيع الربط بين الفشل وسياسة التهميش والفساد والفقر وإلصاق التهم وجمع الملفات والعنف وملاحقة الآخرين، وبين النجاح في الهجوم على الموصل وصلاح الدين والإستيلاء على مساحات واسعة في كركوك وديالى وبابل وحزام بغداد، المنطق المتحول عندهم الى رؤية التظاهر والمطالبة بالحقوق والمساواة نوعاً من المؤامرات الشيطانية، والمتجاهل للتحرك ضمن موازين القوى الواضحة، والممتنع عن لوم الذات على الانتكاسات وعن النكوص بالتعهدات والالتزامات، وأمام واقع هذه مراراته، ومنطق فاقد لمعانيه، تبدو العودة إلى العقل والحكمة مستحيلاً وينبغي ألا نتفاجأ إن (وجدنا أن داعش والسائرين في ركبه يدمرون الجسور التي تربط بين الكرخ والرصافة) لأننا نعيش في بلد المفاجأت.
|