لماذا عارضنا صدام ؟ |
دعوني أوضح في بادئ الامر بأن هذه المقالة ليست من باب منح النظام السابق شهادة حسن سيرة وسلوك وهي التي منحها له ساسة العراق الجديد ولكنها مجرد قراءة موضوعية ورأي شخصي في أسباب ديمومة الأزمة العراقية . مثل تاريخ التاسع من نيسان من عام 2003 سقوطا لمؤسسة الدولة العراقية الأولى واعلان قيام الدولة الثانية والتي لاتتطابق مع مورثتها سوى بأسمها وبسياساتها السلبية حيث شكلت قوات الغزو الامريكي البريطاني القوة الضاربة التي قضت على واحد من أعتى الأنظمة الشمولية والديكتاتورية في العالم العربي لتجعل من العراق (كماكان مفترضا) منارة للديمقراطية في الشرق الأوسط ، ولكن بعد 11 عام على سقوط ذلك النظام نجد الغالبية من العراقيين تراودهم مشاعر الحنين اليه والترحم على أيامه ليس حبا به أو ايمانا بمبادئه بالضرورة ولكن بغضا بواقعهم الحالي . فما الذي حصل لتتحول أحلام العراقيين في بناء بلد ديمقراطي يطوي صفحة الماضي ويعالج الأمه الى كوابيس؟وما الذي جعل حياة المواطن العراقي عبارة عن سلسلة متواصلة من الظلم والأضطهاد والتهميش والتشريد والقتل والأعتقال ؟مبدئيا نقول بأن الحرية والديمقراطية لايمكن أن تأتي على ظهر الدبابة الأجنبية وان ماحصل في اليابان والمانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية هي حالة خاصة بالدولتين (وجود رغبة أمريكية غربية حقيقية في المساعدة واعادة النهوض) ولاتنطبق على العراق بأي حال من الأحوال . ومن هنا أمكننا القول أن الخطأ لم يكن أساسا بتغيير النظام أنما بأسلوب تغييره (الأحتلال) ، لقد وجهت الولايات المتحدة للنظام السابق ثلاث اتهامات بررت على أساسها غزوها الغير الشرعي للعراق وقد أثبتت الأيام افتقار الأتهامين الأول وهو حيازة أسلحة الدمار الشامل والثاني المتمثل بالتعاون مع تنظيم القاعدة (حيث بدأ التعاون بين حزب البعث والقاعدة بعد الأحتلال وليس قبله) لأدنى درجات المصداقية ، أما الاتهام الثالث فكان طغيان النظام واستبداده وهو اتهام لامجال لنكرانه ، واذا كانت هذه هي الأسباب الامريكية الظاهرة لاسقاط النظام فأن لقوى المعارضة العراقية أنذاك وبعض العراقيين أسبابهم الخاصة لحث الامريكان على اسقاط صدام نذكر منها : 1- شمولية هذا النظام وانفراد حزب البعث بالسلطة السياسية وأدارة مختلف شئون الحياة وفرض رؤيته على الدولة والمجتمع والجيش خصوصا بعد حل الجبهة الوطنية والقومية التقدمية نهاية السبعينات. 2- جرائم الأبادة الجماعية التي ارتكبت ضد المنتفضين الشيعة في الجنوب عام 1991 وهي ماعرفت اعلاميا بقضية (المقابر الجماعية) والحملات الدموية ضد الأكراد في الأنفال والقصف الكيميائي لحلبجة . 3- قمع النظام لكل صوت معارض عبر محموعة من الأجهزة الأمنية القمعية التي شكلت نواة الدولة البوليسية في العراق والتي مارست شتى أنواع التعذيب والقتل بالسجون ضد المعتقلين السياسيين. 4- تهجير الكرد الفيلية واسقاط الجنسية العراقية عنهم . 5- مطاردة واغتيال الشخصيات المعارضة داخل وخارج العراق . 6- الأنتهاكات البيئية مثل تجفيف الأهوار في الجنوب العراقي لتسهيل مطاردة المسلحين والفارين وجرف بساتين الدجيل عقب محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس الراحل صدام حسين عام 1982م. 7- شن الحروب على دول الجوار (ايران والكويت) وهوما تسبب بخلل واضح في علاقات العراق الخارجية وتكبيده خسائر اقتصادية فادحة ومعاناة اجتماعية بسبب الضربات العسكرية والعقوبات الأقتصادية. فكانت هذه الأسباب هي من حولت حياة العراقيين الى جحيم في ظل ذلك النظام وجعلتهم ناقمين عليه ولكن بقراءة متأنية نجد ان هذه الأسباب كانت هي عبارة عن صلة الوصل بين الدولتين الأولى والثانية وأستمرت الى يومنا هذا ومعها معاناة المواطن العراقي وان بأساليب مختلفة وصور متعددة منها على ذات المنوال: 1- تمكن السيد المالكي طوال فترتين رئاسيتين من اقصاء شركائه سياسيين وتوزيع التهم عليهم والأستئثار بالسلطة والسيطرة على المفاصل الرئيسية في الدولة ممهدا الطريق لولاية ثالثة تنصبه كدكتاتور رسمي وتفسح المجال لحزب الدعوة للأنفراد بالحكم وتأسيس دكتاتورية جديدة (خصوصا اذا مارفض السنة و الأكراد والصدريين المشاركة في حكومة يترأسها المالكي). 2- أستمرت جرائم الأبادة الجماعية بحق العراقيين بعد الأحتلال بوسائل مختلفة مثل السيارات المفخخة والعبوات الناسفة واللاصقة والمسدسات الكاتمة والقصف العشوائي وهو أمرا لايمكن أن تتحمل مسئوليته السياسية والقانونية والأخلاقية سوى الحكومة العراقية لعجزها عن حماية المواطنين تارة ولدورها المباشر فيها تارة أخرى . 3- أستمرت عمليات القمع لكل صوت معارض في العراق الجديد عبر مجموعة من الأجهزة الأمنية والتي لاتقل بطشا وقسوة عن أجهزة النظام السابق بل وصل الأمر الى حد اغلاق القنوات الفضائية التي لاتلتزم بالنهج الحكومي وان كانت خارج العراق ناهيك عن ممارسات التعذيب والأغتصاب والقتل ضد المعتقلين داخل السجون العراقية وهو ماوثقته منظمات دولية معنية بحقوق الانسان. 4- أزدادت عمليات تهجير العراقيين سنة وشيعة ومسيحيين بعد الأحتلال من خلال مجموعة من الميليشيات الطائفية والتظيمات الارهابية وسط صمت وعجز حكومي. 5- تمت تصفية مايقارب من 350 عالم نووي و300 استاذ جامعي ونخبة من ضباط وطياري الجيش السابق تحت مظلة الاحتلال و بمساهمة واضحة من الحكومة العراقية وميليشياتها حسبما أفاد موقع ويكيليكس ولم ينجي من الأغتيالات (التي تهدف الى افراغ العراق من الكفاءات وليس ضد المعارضين فقط كما كان الأمر سابقا) حتى النشطاء والصحفيون والقضاة والمحامين والأطباء . 6- بدأت القوات الأمنية مؤخرا بأجراءات حرق البساتين في ديالى ومناطق حزام بغداد حتى لاتكون منطلقا للجماعات المسلحة في عملياتها العسكرية في محاكاة لما فعله النظام السابق في الأهوار والدجيل. 7- تستمر مايسمى بالحرب على الارهاب منذ 11 عام دون نتيجة تذكر فلا حسم عسكري منتظر ولا بارقة أمل لحل سياسي مرتقب بل ان الأوضاع باتت تتجه نحو الأسوء ففي الوقت الذي تتزايد فيه نشاط الجماعات المسلحة التي تمكنت فعلا من بسط سيطرتها على أراضي واسعة من البلاد ، أنخفضت قدرة القوات العراقية على المواجهة في أرض المعركة ومثلت نكسة الموصل الضربة القاضية لهذه القوات ومعنويات مقاتليها وهو ماجعل الحكومة تقر بعجز هذه القوات بطريقة غير مباشرة عبر استعانتها بالميليشيات والعشائر والصحوات والمتطوعين والحرس الثوري الايراني والمستشارين الامريكيين لصد هجوم تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف رغم مئات المليارات من الدولارات التي أنفقت على هذه القوات طوال عقد من الزمان. بل ان الأمور زادت سوءا وبات العراق يصنف من ضمن الدول الأكثر فسادا حسب تقارير المنظمات الدولية (أحتل العراق المركز 171 من بين 177 دولة في تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2013 ) ، وغدت البلاد مرتعا لمختلف الجماعات الأصولية المتطرفة والميليشيات الطائفية التي نشرت الرعب والموت والخراب وبثت السموم الطائفية في كل أصقاعها دون وجود لسلطة قانونية فعلية قادرة على مواجهتهم وردعهم وهي أمور ماكانت لتحدث أبدا في ظل النظام السابق .
ان هذه المقاربة البسيطة تدلل لنا أن ماحصل في العام 2003 لم يكن سوى تغييرا شكليا (بالوجوه فقط) (ان جاز لنا وصف ماحدث بالتغيير أصلا) مع استمرار ذات السياسات وان بأساليب مختلفة نتيجة اختلاف الظروف الموضوعية والمحلية والأقليمية والدولية . بمعنى أخر لقد تمت ازاحة الظالم واستبداله بأخر دون المساس بالظلم ذاته والذي بات يمثل الركيزة الأساسية في العقيدة السياسية العراقية ، وهو مايطرح سؤالا مهما لماذا وقفنا بوجه صدام حسين وعارضنا نظام حكمه اذا كنا قد أعدنا انتاج ذات السياسات التي أنتقدنا نظامه بسببها ؟ ان الأجابة المنطقية الوحيدة هي ان المشكلة لدى شريحة من العراقيين لم تتمثل يوما في وجود ديكتاتور وانما بكون هذا الديكتاتور ليس من طائفته تارة أو رغبة في انتزاع السلطة منه تارة أخرى وبالتالي تحول الأمر من معارضة قائمة على أسس وطنية وأخلاقية الى معارضة تحركها أهواء طائفية وتتنازعها المصالح الشخصية وتدفعها أجندات خارجية . ان بقاء العراق كبلد موحد مرهون بتغيير طريقة ادارة الدولة والأعتماد على الكفاءة والنزاهة والأبتعاد عن المحاصصة وليس مجرد تغيير الوجوه . |