عرسال ومخاطر نقل الصراع السوري الى لبنان |
أعتقل الجيش اللبناني يوم 2 يوليو 2014 قيادياً في "الدولة الاسلامية" المكنى ب "احمد جمعة" رغم اختلاف المرجعية التنظيمية الى المذكور، فأن التقارير كشفت بانه سبق ان كان في جبهة النصرة لكن اعلن بيعته "للدولة الاسلامية" في اعقاب اعلان البغدادي لخلافته في 10 يونيو 2014، وهو من القصير، ويعتبر من القادة الميدانيين في القلمون وتزعم "لواء الفجر" قبل اعلان انضمامه لخلافة البغدادي. وفي اعقاب ذلك اطبق مقاتلو ـ "الدولة الاسلامية" يوم 2 اوغست 2014 حصارا على حاجز للجيش اللبناني في عرسال، مع نشر قناصين، نتج عنها اسر 22 جنديا واستشهاد اثنين من النقطة الحدودية. شهدت منطقة الهرمل ايضا مواجهات مابين قوات النظام السوري والمجموعات "الجهادية" من جانب وما بين حزب الله والتنظيمات من جانب اخر عند جرود السورية المحاذية الى عرسال. واعتقل خلالها عناصر المجموعة المسلحة والذي يعتقد بانهم مقاتلو "الدولة الاسلامية" بعض من الضباط والجنود من منازلهم في بلدة عرسال وتأتي هذه التطورات بعد مقتل فيه العشرات من "الدولة الاسلامية"ومجموعات "جهادية" اخرى في القلمون على ايدي حزب الله وسيطرته على "تلة موسى" عند الحدوداللبنانية والتي تفصل جرود فليطة عن جرود بلدة عرسال وتعتبر موقع إستراتيجي والسيطرة عليه يعني السيطرة على جرود عرسال. وصرح مصطفى الحجيري احد مشايخ الجماعات في 3 اوغست 2014 قائلا" لا اطلاق لعناصر قوى الأمن قبل وقف النار والافراج عن جمعة ابو احمد".
ردود فعل الجيش اللبناني طلب الجيش اللبناني يوم 3 اوغست 2014 في بلدة عرسال تعزيزات لمواجهة أعداد كبيرة من المسلحين الذين تدفقوا من سوريا إلى لبنان. ردود افعال الجيش اللبناني كانت شديدة لمنع اي محاولة تسلل ونقل الصراع السوري الى الداخل اللبناني. أكد وزير الدفاع الوطني سمير مقبل في حينها أن الجيش متماسك وسيحارب كل من يعتدي عليه ولا خوف على المؤسسة العسكرية، مشيراً إلى ارسال تعزيزات إلى بلدات عرسال وإلى أن الجيش سيرد بقوة وحزم. أكد وزير الدفاع اللبناني فايز غصن أن وحدات الجيش تطوق بلدة عرسال في البقاع للقبض على المتهمين بقتل العسكريين. وقال غصن في تصريحات صحافية إن "الجيش يطوق بلدة عرسال لإيجاد المتهمين بقتل العسكريين وانه لا مجال للمساومة على الأمن ولا سلطة فوق سلطة الدولة" بلدة عرسال عرسال هي إحدى القرى اللبنانية ـ قضاء بعلبك في محافظة البقاع، يصل عدد سكانها إلى 35,000 نسمة وهي بلدة معزولة نسبيا، إذ تبعد عن بعلبك مركز القضاء حوالي 38 كيلومترا، وعن مركز محافظة البقاع ـ زحلة 75 كيلومترا كما تبعد عن بيروت 122 كلم وترتفع عن سطح البحر 1400 - 2000 متقع على سلسلة جبال لبنان الشرقية وتشترك مع سوريا بخطّ حدودي طوله 50 كم. وينشط عند حدودهاتهريب البضائع. قدمت الى اللاجئين السوريين المأوى والمساعدة والدعم بعد نزوحهم من من منطقة القلمون و حمص. استقبلت بلدة عرسال أعداداً كبيرة من اللاجئين خلال الأشهرالأخيرة، يبلغ تعداد سكان عرسال 35,000 نسمة، إلا أن اعداد اللاجئين تجاوز ال 100,000 نسمة حيث أصبح عدد السوريين في المدينة يفوق تعداد اللبنانيين. اعداد اللاجئين تتصاعد مع وتيرة العمليات في القلمون وسبقتها ايضا في القصير.
اكتسبت السلسلة الشرقية الواقعة بين لبنان وسوريا أهمية عسكرية لوقوعها بالقرب من الطريق الدوليبين دمشق وحمص، والذي يفصل العاصمة السورية والساحل وبين دمشق والشمال نحو مدينة حلب، وهي مفتوحة على لبنان في عرسال. تمثل القلمون، ألقريبة من بلدة عرسال اللبنانية، شريان الإمداداتللجيش الحر و"الجهاديين" في ريف دمشق. هنالك معلومات تفيد بتسلل تنظيمات "جهادية" إلى البلدة في أعقاب "ثورة " سوريا 2011، لذا بعد سيطرت قوات الاسد على ألقلمون ضاق الخناق على "الجهاديين". فماحصل في القلمون امتد إلى عرسال ثم بقية الأراضي اللبنانية.
خرق امني نوعي
يعتبر هجوم "الدولة الاسلامية" او غيرها من الجماعات في سوريا على بلدة عرسال اللبنانية الحدودية، خرقا نوعيا، ومحاولة منها لنقل المواجهة الى الداخل اللبناني. هذا النوع من العمليات له ابعاد سياسية واجتماعية معنوية على الداخل اللبناني، اكثر من الجانب العسكري بسبب ان لبنان مازال يعيش فراغ رئاسي. العملية هذه من شأنها تحدث انقساما داخل الطوائف اللبنانية، الذي يشهد مواجهات مسلحة في طرابلس وفي الضاحية الجنوبية وعند الحدود مع القلمون. الخلاف الداخلي قد ينشب داخل لبنان كون معارضي حزب الله، الذين يعتقدون بان الجيش اللبناني ينحاز الى حزب الله في مواجهة المتشددين والمجموعات "الجهادية" في لبنان، ابرزها موقف الجيش اللبناني من احداث مواجهة اشيخ الاسيرعام 2013. قام الجيش اللبناني بنشر دوريات الجيش في منافذ واطراف عرسال مدعومة بالطيران والغطاء الجوي في عرسال. بعض مناطق بيروت منها الضاحية الجنوبية شهدت انتشار للجيش اللبناني.
خاريطة المجموعات المسلحة في عرسال
وفقا الى تقرير الحدث نيوز الاخباري فأن مسلحي( داعش وجبهة النصرة والكتيبة الخضراء وكتيبة الفاروق و لواء الإسلام ولواء البراء) وهم ينتشرون بكثافة في جرود عرسال. فبعد معركة القلمون فرالمسلحون إلى جرود عرسال وإلى مناطق وعرة جداً في جوار ( النقار و وادي عويس و وادي الحقبان ووادي ميرا لجهة قارة السورية) وهذه مناطقق جبلية ذات جغرافية صعبة. و يسيطر على هذه المناطق مايزيد على خمسة آلاف مسلح من داعش و النصرة و الكتيبة الخضراء وتوضح التقارير أن المشكلة التيخلقها الجيش السوري وحزب الله تتمثل في أن المسلحين جعلوا من الجرود منطلقاً لعمليات تسلل نحو عسال الورد وسهل رنكوس في الأراضي السورية، وأخرى باتجاه الأراضي اللبنانية. وفي تقارير اخرى قدرت اعداد المسلحين السوريين والأجانب في جرود سلسلة جبال لبنان بين 5 آلاف و12 ألفاً، ينتشرون في الجرود من أعلى بلدة القاع على حدود جوسيه السورية ولغاية جرود بلدة معربون على حدود بلدةسرغايا الملاصقة لمنطقة الزبداني في ريف دمشق. يمتلك المسلحون مضادات "23 ملليمتراً" ضد الطيران السوري الذي يقصف الجرود وفي المعارك الأرضية. تمتلك الجماعات المسلحة راجمات صواريخ غراد يتجاوز مداها عشرين كيلومتراً، بالإضافة إلى أسلحة فردية ثقيلة. انضم مزيد من المسلحين في جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات إلى داعش ـ "الدولة الاسلامية" مؤخراً.
تداعيات الحرب في سوريا
إن أحدى تداعيات الحرب في سوريا هي جر لبنان في الحرب السورية وتصعيد وتيرة الخلافات المذهبية والسياسية من الداخل، بسبب اشتراك بعض الاطراف اللبنانية الفاعلة فيها، والتي لاقت انتقادات كثيرة من قبل اطراف محلية واقليمية. ومن تداعياتها هو خلق عمليات عسكرية إنتقامية فهذه الاطراف تملكتواجدا في لبنان، من شانها تنفيذ عمليات على الاراضي اللبنانية وضد الجيش اللبناني. لقد اصبحت الحرب السورية مصدر تهديد الى لبنان والى وحدة اللبنانيين، اليوم يشهد لبنان خطرا اكبر وهو خطر تمدد الفوضى. الأن اصبحت الأحداث في سوريا على حدود عرسال اللبنانية أقوى، لتكون ردود الأفعال أشد، داخل البقاع و طرابلس. بات واضحا، بأن الصراعات في منطقة الشرق الأوسط تحولت إلى صراعات طائفية مذهبية، الحرب في سوريا تحولت إلى حرب طائفية، وكأن القتال مع او ضد النظام السوري هو دفاعا عن المذهب والطائفة. إن أستهداف بلدة عرسال يعيد للاذهان سيناريو تمدد "الدولة الاسلامية" مابين العراق وسوريا واجتياحها الى مدينة الموصل في يونيو 2014. المناطق الحدودية اثبت بأنها تمثل اهداف ساخنة الى"الدولة الاسلامية والجهاديين" واعتماده على سياسة الملاذات والحواضن في تلك المدن ثم التمكين، لذا حركته على الارض لاترتقي الى مستوى الاهداف. عرسال تمثل حاضنة الى تلك الجماعات المسلحة، والتي بايعت البعض منها مؤخرا "الدولة الاسلامية" لتنفذ سياستها بعد حصولها على الدعم المالي والتسلح النوعي في السلاح والعجلات وان اعتقال احمد ابو جمعة فجر الازمة . المشكلة التي تواجه لبنان هو استهداف امنه الوطني، هذه المواجهات تستهدف اشعال الطائفية والفتنة داخل لبنان، التحليلات تشير بأن الخطر الذي يهدد لبنان وامنه هو من الداخل اكثر من عمل عسكري من الخارج. المجموعات المسلحة تستهدف ايجاد انشقاقات هذه المرة داخل الجيش اللبناني اكثر من الخلافات السياسية، لذا ركزت "الدولة الاسلامية والجهاديون" على هذا الهدف ونشرت عبر مواقعها الاعلامية خبر انشقاق احد الجنود في الجيش اللبناني. هذه الاحداث من شانها ان تعيد سيناريو "الجهاديين" والاخوان باستهداف مقرات الامن والجيش وتنفيذ عمليات اغتيال على غرار ماشهدته مصر في سيناء واليمن والعراق. مايحتاجه لبنان في الوقت الحاضر هو تعزيز تواجده عند الحدود السورية اللبنانية ومنع تسرب الجهاديين الى الداخل الليناني بالتزامن مع جهد سياسي داخلي واقليمي لدعم لبنان.
ـجاسم محمد، باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار |