حينما ينتقم الاستاذ من طلابه

كانت أيام من العمر لا تنسى رغم قساوتها ومتاعبها فقلد كنت يومها موظفا في الديوانيه وقررت أن اكمل دراسة القانون فشجعني زملائي وقدمنا للدراسه الجامعيه المسائيه في كلية القانون في بغداد وقبلنا فيها وكان عددنا خمسه وعلمنا ان هناك فتاة تريد الاشتراك معنا في السياره التي استأجرناها لتأخذنا يوميا الى بغداد لكونها قد قبلت في كلية الدراسات الاسلاميه فأصبح عددنا سته وكانت المعضله حينما تصل السياره الى مدينة الحله لكونها مارسيدس ولايمكن صعود اكثر من خمسة ركاب فيها فكان على احدنا ان يتمدد في احضان زملائه في الحوض الخلفي وكان صدر السياره قد خصص لزميلتنا واحد الزملاء الذي كان نحيف الجسم حتى يتم اجتياز مدينة الحله اذ كان شرطة المرور ينفذون واجبهم بحرص شديد. كانت دوائرنا تشجعنا وتسمح لنا بالخروج قبل ساعه من انتهاء الدوام الرسمي وكنا تناول وجبة الغداء في الطريق اذ تجلب لنا زميلتنا لفات الطعام معها وحينما نصل الى بغداد وكانت الطرق سالكه وغير مزدحمه نوصل زميلتنا الى كليتها ونمضي الى كليتنا. كان لدينا نموذجين من الاساتذه النموذج الاول الدكتور الفاضل مالك دوهان الحسن والذي كان الطلاب يحبوه كثيرا لسلاسته وتعامله معهم دون تكلف والنموذج الثاني الدكتور الفاضل عبد الملك الياسين اللذي كان يدرسنا مادة القانون الدستوري وكان من القلائل اللذين يحملون هذا التخصص وكان صعب المراس ولا يميل اليه الطلبه فكان لا يسمح بدخول اي طالب حينما يشرع بالقاء محاضرته وذات يوم من ايام رمضان دخل احد الطلاب الى الصف وجلس في كرسيه وكان على ما اذكر معاون امين العاصمه فتوقف الاستاذ الياسين عن المحاضره وخرج عن طوره وقال شوفو انا صائم وانا اعرفكم كلكم من الشيوعيين والبعثيين ووصف الجميع باوصاف غير لائقه فنهض احد الطلاب وكان كبيرنا في الصف ونسميه الحجي وهو عميد ركن متقاعد في الجيش العراقي اذ كان صفنا يحوي على الكثير من اصحاب الرتب العسكريه الرفيعه المستمره في الخدمه وقال للاستاذ ..دكتور لا اعتقد ان ما قلته يليق باستاذ مثلك يحمل هذا التخصص النادر وتعرف الظروف فكلنا موظفين والبعض يأتي من الديوانيه والاخر من ديالى والرمادي و الحله والطالب الذي دخل طرق الباب بكل ادب وانتظر ولم يدخل وظن توقفك عن القاء المحاضره بمثابة القبول على دخوله الصف ...فلم يعلق الاستاذ ونهض من كرسيه وغادر الكليه وكان يفعل هذا كثيرا وكنا نجمع كبار الطلبه وعلى رأسهم الحجي ونرسلهم الى بيته ويترجوه بالعوده الى الكليه ويعود بعد اللتي واللتيا. قاربت السنه الدراسيه على الانتهاء ولم يكتمل منهج الدراسه في مادة القانون الدستوري وانقطعت الطلاب عن الدوام للتحضير الى الامتحان النهائي ولكننا لم نقطع نتيجة نصيحه احد المعارف من الكادر التدريسي في الكليه وقال لنا احذرو من عبد الملك وواضبوا على الحضور لآخريوم لأنه سيكمل المنهج والاسئله ستكون من الفصل الاخير وهذا ما يفعله دائما. انتظمنا حتى اليوم الاخير وفعلا اتم الفصل الاخير من الكتاب والذي ظن الطلاب انه قد ترك نتيجة ضيق الوقت ودخلنا الامتحان ووزعت اسئلة القانون الدستوري وكانت كلها فعلا من الفصل الاخير من الكتاب الذي يحوي على عشرين ورقه وبدأنا نحن الاجابه وصاح بنا بقية الطلاب ..أشو انتم اجاوبون ..فقلنا لهم نحن اكملنا الدوام لآخر يوم والاسئله من الفصل الاخير فامتنعوا عن الاجابه وحضر عميد الكليه وافهموه بالامر وطلب منهم الانتظار فأنه سيطلب حضور الاستاذ والتفاهم معه. جاء الدكتور ووقف في باب القاعه وقال الكلام الذي يرن في اذني حتى الان ( الاسئله وضعت ونوقشت وطبعت فمن شاء ان يجب فليجب ومن شاء ان يترك فليترك ) وخرج من القاعه ولم يلتفت الى رجاء عميد الكليه وكنا نحن الخمسه نجيب على الاسئله وخرجنا من القاعه وسط احتجاج بقية الطلاب علينا ونجحنا في مادة القانون الدستوري في الدور الا ول اما البقيه فقد امتحنوا الماده في الدور الثاني. بعد هذه السنين الطويله اسائل نفسي لماذا كان الطلاب يحشرون انفسهم مع بقية الشعب ليستمعوا الى المحاضرات اللذيذه التي كان يقدمها الدكتور مالك دوهان الحسن االذي احبه الطلبه لسلاسته وتسامحه وتعامله الاخوي مع الطلبه والتي كانت النكته تدس بين سطورها وبين الاستاذ عبد الملك الذي كان الطلاب يتضايقون من محاضراته ويضنون ان وقتها دهرا ولم يقدر في يوم ما الظروف التي كان عليها الطلبه . استذكرت كل هذا حينما جائني احد ابناء الجيران طالبا مشورتي اذ ان من يحبها وهي زميلته في الجامعه قد قبلت بخطبة شخص آخر لها ولم ينفع معها توسط بعض اساتذته في الجامعه لديها بالعدول عن الخطبه وقارنت بين الزمنين وسألت نفسي ايهما الاصح ولازلت ابحث وانقب فالمشكله عويصه قليلا.