شوط الرئاسات العراقية يبدأ بالتعطيل فهل ينتهي؟ |
في سابقة خطيرة و مفاجئة نقلت لنا بعض الاخبار عن اعلان رئاسة جمهورية العراق على لسان الرئيس الجديد، الذي اختير مؤخرا على وفق عملية المحاصصة ذاتها، انه استفتى المحكمة الاتحادية بشأن ما اسماها إمكانية عدم احتساب عطلة العيد من المدة الدستورية المقررة لدعوة الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة المقبلة. ومن المعلوم ان المدة الدستورية المقررة لتكليف رئيس للوزراء تنتهي بعد 15 يوما من التكليف اي انها تمت في 7 آب الجاري. جدير بالذكر ان عطلة العيد استمرت خمسة أيام.. ونحن نتساءل هنا عن جدوى الايام الخمسة اذا كان ممثلو الشعب قد تناسوا مهلة الخمسة عشر يوما وانشغلوا بالعيد في الوقت الذي تنامت "داعش" واسقطت مناطق جديدة! وفي الحقيقة فان كثرة ايام التعطيل الذي شهدته دورة مجلس النواب السابقة ومجمل مفاصل العملية السياسية، كانت احد الاسباب الرئيسة التي ادت الى الاخفاق الكبير والفشل في تلبية مطالب الناس؛ ترافق ذلك مع انتشار الفساد الاداري والمالي على نحو غير مسبوق؛ ما اسفر في النهاية عن التفريط بالبلد والتمهيد لاستباحته من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام، وفتح ابواب العراق على مستقبل مجهول غاص بالخوف و التوجس. وبدلا من ان نصحح الاخطاء التي نتجت عن السنوات الاربع، بل العشر العجاف الماضية؛ ها نحن نبدأ شوط الرئاسة الجديد، بمحاولة صنع المسوغات لتعطيل ما اسموه انفسهم الاستحقاقات الدستورية، وخلق الاعذار لإخفاقات جديدة ستأكل ما تبقى من امل في نفوس الناس اذا كان ثمة امل قد تبقى. فما فائدة التأخير بذريعة العيد؟ وهل نحن مقدمون على اربع سنوات مريرة أخر من إحباط المشاريع والهزائم العسكرية والامنية، وافواج من الموتى والمهجرين؟. لو سمع او قرأ انسان بريطاني او فرنسي ان رئيس وزراء بريطانيا مثلا او رئيس الجمهورية الفرنسية، قد طلب وقتا ممتدا لتشكيل الحكومة بسبب عطلة نهاية الاسبوع او اعياد الميلاد لقامت الدنيا ولم تقعد. وبغض النظر عن طبيعة الانظمة الانتخابية في بلدنا، وفي كلا البلدين المذكورين، فان زعيم حزب المحافظين البريطاني ، ديفيد كامرون، الفائز قد اعلن عن تشكيله حكومة كاملة الصلاحية مع حزب الديمقراطيون الاحرار بعد خمسة أيام فقط من الانتخابات البريطانية التي ظهرت نتائجها في 7 مايس 2010 فشكل الحكومة في 12 مايس. وفي 15 مايس 2012 فاز فرانسوا أولاند برئاسة الجمهورية الفرنسية، وفي اليوم ذاته كلف جان مارك أيرولت بتشكيل الحكومة ولم يطلب وقتا اضافيا. ويمكن قول الشيء ذاته عن الرئيس الاميركي والروسي، وجميع الانظمة الديمقراطية، فلماذا نشذ نحن الذين ندعي اننا اقمنا الديمقراطية على انقاض الدكتاتورية؛ برغم اننا الاكثر حاجة للإسراع في حسم المناصب والاداء الامثل حقنا للدماء التي تسيل يوميا وتحقيقا للعدالة، و لإنصاف اغلبية الشعب التي تحطمت حياتها بسبب السياسات الفاشلة طيلة السنوات العشر الماضية. ان تأجيل الاستحقاقات الدستورية بحسب تعبير السياسيين والمسؤولين؛ يؤدي بالنتيجة الى تأجيل الاستقرار في العراق، وتعطيل لآمال وحياة الناس الى آماد غير منظورة، وزيادة الفشل الاداري والفساد المالي وتكريسه وتضخم اعداد القتلى والمهجرين وتأجيل حسم ملف الفقر والفقراء، والسكن والاسكان وجميع مفاصل الحياة العالقة. الاغرب من ذلك ان احدا ممن طرح اسمه كنائب لرئيس الجمهورية، قال في رده على ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق، الذي طالب بتشكيل حكومة تكنوقراط للخروج من الازمة، ان حكومة التكنوقراط "تحل المشاكل الخدمية فقط والملف السياسي سيبقى عالقا بخلافات المخضرمين"؛ ترى ما الذي يريده الشعب غير الخدمات كاعتبار اول، كما ان تشكيل حكومة التكنوقراط ولاسيما من المستقلين بغض النظر عن اديانهم وقومياتهم وطوائفهم، سيهدئ النفوس ويعيد الثقة في الحكومة ويعيد الاعتبار للمواطنة؛ لأن تلبية حاجات الناس و توفير الخدمات لهم والذي يعني فيما يعنيه القضاء على الفساد المالي والاداري، وتحقيق العدالة الاجتماعية سيزيل الاسباب الكامنة ورا ء دعاوى العنف المسلح، والتغيير بقوة السلاح، ومثل ذلك ادركته الدول المتحضرة في وقت مبكر، وعملت به؛ فحققت وشائج قوية بين دولها وحكوماتها، وبين سكانها الذين باتوا يفتخرون بامتلاك هويتهم وجنسياتهم. ان انقاذ البلد الذي يمر بكارثة كبرى بحسب اقرار الجميع، يستوجب التعالي على المصالح الشخصية والتجاذبات الحزبية والفئوية، والسعي لإنشاء نظام سياسي يلبي طموحات الناس، وضمن ذلك الاسراع في انجاز ما اسفرت عنه الانتخابات الاخيرة ـ برغم انني لست متفائلا بالنتيجة ـ اذ ان الوضع السابق لم ينتج لنا الا ازمة تفرخ ازمة، فظل الفقير فقيرا مهما كانت قوميته او ديانته او طائفته، وظلت فئة طفيلية صغيرة تثري على حساب المجموع فسرقت ثروات الناس وخيراتهم وسربتها الى الخارج واكتفى كثير من ممثليها بعزل انفسهم في منطقة خضراء محصنة لم تسطع ان تحمي عمال المسطر والمتبضعين في الشوارع والابرياء، الذين ظلوا فريسة سهلة للقتلة والمجرمين بشتى اصنافهم؛ وظل البلد بمجمله في مهب ريح عواصف فشل السياسيين ونزواتهم. |