للراحل طيب الذكر احمد الربيعي سلسلة تخطيطات كاريكاتيرية بعنوان "هذا من فضل حزبي " نشرها في صحيفة الصباح الجديد ، ظاهرة ثراء قادة سياسيين ومسؤولين في عراق ما بعد الغزو الاميركي، حصلوا من بركات المال العام ما جعلهم يمتلكون عقارات في دبي وعمان ، واخيرا في جورجيا ، فضلا عن ارصدة مالية ضخمة مودعة في بنوك عواصم عربية واجنبية. القول العراقي الشائع " فلان كان يلك الصيخ " في اشارة الى الفقر المدقع ، والافلاس المزمن ينطبق على كثيرين تصدروا اليوم المشهد السياسي ، بوصفهم قادة من الصف الاول ، وبفضل نفوذ احزابهم المشاركة في الحكومة ، تغيرت احوالهم بين لحظة وضحاها ، ومنهم قيادي في حزب متنفذ ، وصل الى بغداد بعد ايام من احتلال العراق ، فأقام في بناية كانت مقرا لحزب البعث في شارع فلسطين ، وعندما علم اقارب القيادي بوصوله زاروه في مقره الجديد ، فاستقبلهم بدشداشة مقلمة ، واعتذر لهم من انقطاع التيار لان الحزب لا يمتلك امكانية شراء مولدة صغيرة لتشغيل مبردة الهواء ، وبعد اشهر انتقل القيادي الى مكان اخر ليتولى مسؤولية رسمية ، وقطع اتصالاته بالمعارف والاقارب ، ولم يزر قريته بمحافظة ذي قار، لانشغاله بمهمات ارساء قواعد النظام الديمقراطي على اسس راسخة على وفق نظرية حزبه في ادارة الدولة . قيادي اخر يحمل شهادة دكتوراه قبل ان يشغل منصبا وزاريا ، تولى رئاسة تحرير جريدة الحزب ، يكتب افتتاحياتها ، ويحرر اخبارها ، كان يتناول الفلافل مع العاملين بالجريدة ، ويتقدمهم في اداء فريضة الصلاة باوقاتها ، في احد الايام اصدر قرارا بطرد المحررين والمنضدين لانهم ارتكبوا خطأ كبيرا عندما سقط حرف من مفردة حزب من مانشيت الصفحة الاولى ، وبعد تلك الفضيحة قرر التنظيم غلق الجريدة ، وتسريح العاملين وحرمانهم من الحصول على مستحقاتهم المالية المتأخرة ، ونموذج اخر دخل الى مؤسسة اعلامية تابعة لحزب متنفذ بصفة "سائق كوستر" ثم اصبح مدير فضائية ، وشخص اخر مقرب جدا من رئيس كتلة برلمانية ، عين بسفارة عراقية في دولة اوربية. " الاقارب اولى بالوظائف الحكومية " شعار يعكس الوجه الاخر للقول "هذا من فضل حزبي " ترسخ في الحياة السياسية العراقية انطلاقا من الايمان بدور المناضلين اصحاب الخدمة الجهادية في مقارعة النظام الديكتاتوري، فبجهودهم الجبارة وحكمتهم في ادارة الحكم ، تحققت الارادة الوطنية فاذعنت الولايات المتحدة للقرار العراقي المستقل وقررت سحب قواتها من البلاد وتجاهلت دعوات الاستجابة لتنفيذ فقرات الاتفاقية الامنية بين البلدين. صوت رسام الكاريكاتير الراحل الربيعي تبدد في اجواء الفوضى ، فاصوات الانفجارات ودوي المدافع ، ستوفر لاصحاب قول "هذا من فضل حزبي" فرص شراء المزيد من العقارات في الخارج ، وليس من المستبعد ان يسمع العراقيون في الايام المقبلة القول "هذا من فضل داعش".
|