أكو فد واحد...

تصدمني دائماً ، و تصدم أيّ إنسان حر بالتأكيد ، المشاهد و الظواهر المعبّرة عن الكراهية العنصرية .
و حتى قبل أن تتشكّل تلك المشاهد و الظواهر في رحم الأيام ؛ أي قبل تحوّلها إلى حدث و تطوّر صارخ ، أرفضها و أقاومها بشراسة .
منذ نعومة أظفاري ، حرصت على عدم تداول النكت العنصرية ، على شاكلة : فد واحد كردي ، دليمي ، معيدي ، شروگي ، عجمي ، تركي ، قزويني ، أسكوتلندي ، ناصرية إلى آخره . ذلك لأني أرى أنّ مثل هذه النكت و الطرائف الفجة إنما هي تعبير عن أحساسات مريضة كامنة في نفس معتوهة تحتاج إلى علاج في مصحّة ، و قد تتطور هذه الإحساسات إلى فعل عنيف ، إذا تسنّى لها ذلك ، يتحول فيه الإنسان إلى وحش يمكن أن يفترس أخاه الإنسان ، بفارق أن الوحش الفطري ( الحيوان ) إنما يمارس الإفتراس بهدف الحفاظ على حياته ، منسجماً مع الفطرة التي فطره الخالق عليها .
أعترف - آسفاً - أني أنتقل رويداً - رويداً من ذلك الموقف الطفولي البريء ؛ موقف الرفض الإنساني لاحتقار الآخر ، إلى موقف التماهي مع التيار العنصري الجارف ، الذي ينيخ بكلكله على العالم العربي و الإسلامي أجمع . فكثيراً ما يلاحظ قارئي المشدوه في كلماتي على مدى سنين ( منذ بداية هذه المليونية ) كلمات و مصطلحات تنمّ عن تحوّل عنصري مؤسف ، ليس المجال متسعاً لاستعراضها .
لماذا يحدث ذلك . لماذا أنتشي الآن لسماع النكت و الطرائف العنصرية . لماذا لا أنتفض اعتراضاً عندما تطرق سمعي أوصاف تنتقص من إنسانية الإنسان ، حتى لو جاءت في سياق إمتاع و مؤانسة و قضاء أوقات ؟
لا أعتقد أن في الأمر سرّاً غير مذاع . ذلك لأن الجميع أصبح في أيامنا هذه أقلّ مقاومة ً للنيل من الآخر و نهش لحمه ، افتراضاً و واقعاً . لقد مرضنا جميعاً بداء العنصرية و الفئوية و المناطقية و الإقليمية و العرقية و كل ما يتصل بهذه المصطلحات من أعراض ، لذلك لم أستغرب عندما شاهدت على التلڤزيون شباباً كُرداً ينادون في أربيل بطرد النازحين العرب حاملين رسماً لعقال و غترة مشطوبين بعلامة خطأ ( x ) فقد تربّى هؤلاء الشباب على كُره العرب ، على أيدي آباء و أمهات ذاقوا الأمرّين في الأنفال و حلبجة و المقابر الجماعية و الترحيل و القمع إلى آخره بأيدي نظام عروبي يدّعي زوراً رفع شأن العرب إزاء الحطّ من قيمة غيرهم . ما استغربته فعلاً قول رجل ستّيني من بينهم : ماذا حصلنا من العرب منذ 1400 سنة غير الذل و المهانة و الظلم !
ما قاله هذا الرجل الكردي ، يقوله أيضاً آخرون ، فيهم العربي و الفارسي و التركي و الأمازيغي و النوبي و الأفريقي ، لكن لا يقوله الإنگليزي و الأوروپي و الأميركي الذي اعتنق الدين " العربي " عبر اختيار واعٍ و انتقاء مؤسس على قاعدة صلبة من الفهم و الإدراك . فهناك غربيون يفتخرون الآن بتلفّظ بضع كلمات تعلّموها من لغة العرب ، و هناك فهم يتسع و يتعاظم لقضايا العرب و الدين " العربي " في الشارع الغربي ، على الرغم من ضعف الإعلام و الدعاية العربيينِ إزاء دعاية و لوبي صهيونيينِ قويين .
لماذا تجتاحنا العنصرية في بلادنا ، في الوقت الذي يعتبرها غيرنا جريمة يعاقب عليها القانون ؟
ألقصورٍ في تكويننا النفسي كشرقيين ؟
ألِعُنف الفتوحات العُمَرية و الاُموية و دمويتها دخلٌ في صناعة هذا المزاج التاريخي لدى الشعوب المغلوبة ؟
ألِدعايةٍ قوية و متواصلة على امتداد مساحات كبيرة من العالم الإسلامي أبطالها آلاف المشبوهين - بعضهم بيننا هنا في مواقع النت - أوحت إلى عقلنا الباطن أننا وقعنا منذ 1400 عام ضحية احتلال قوم عنصريين فرضوا دينهم علينا بالقوة و القمع باسم السماء ؟
هل عجزنا عن التوفر على الحقيقة بأنفسنا ، نحن الذين يتحدث أبسط واحد فينا بأكثر من لغة ؟
أسئلة ، ينبغي أن يبحث أحدنا عن أجوبتها في أعماق نفسه ، و في تلافيف عقله ، و في لُبّ روحه و جوهر إنسانيته و حقيقته .