ليس ثمة من يعجز من رصد مكامن القوة التي يتمتع بها المالكي والمستمدة من الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها السلطة القضائية والحصانة المطلقة التي منحت لرئيسها "مدحت المحمود" بفعل قرارات الحاكم المدني التي خولته لان يكون مهندس العملية السياسية يصممها كما يشاء لا صوت يعلوا على صوته ومكنته من مصادرة صلاحيات بقية المؤسسات الدستورية وتطويعها لصالح المالكي وتمكينه من بسط هيمنته ونفوذه عليها, فكان قرار الاجتثاث بمثابة ضربة قاصمة لمكامن قوته ووقعه جسيما تجاوز فيه الخصوم كل الخطوط الحمراء وانعكس في الإجراءات المضادة التي اتخذها ضد هيئة المسائلة والعدالة واثبت بما لا جدال فيه حالة التخبط التي تسود قراراته الانفعالية التي لا تستند إلى قانون أو دستور, ويقدم لنا دليلا مضافا على شخصنه السلطة القضائية ووهن استقلاليتها.
هواجس تداعي قوة المالكي قبل أوانها وفقدان خدمات "مدحت المحمود" وخبرته الواسعة في قولبة القوانين وتسخيره للسلطة القضائية في صناعة الأنظمة الاستبدادية, تجلت في تعطيل قرار الاجتثاث منذ سنة "2006" وتجلت أيضا في تعطيله إقرار قانوني المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى بإرساله طلب في (الرابع من نيسان 2011) إلى مجلس النواب للتريث في تشريع خمسة قوانين مهمة من ضمنها قانوني المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى وما زال ائتلاف المالكي يعرقل إقرار قانون المحكمة الاتحادية وتهديده باللجوء إلى المحكمة الاتحادية لنقضه للإبقاء على تشكيلتيهما اللاشرعية خاصة المحكمة الاتحادية التي يترأسها "مدحت المحمود" لجسامة الدور الذي تلعبه في رسم طبيعة نظام الحكم والصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها, ولا بقاءه أطول فترة ممكنة في رئاستها للإفادة من خدماته, حيث تختص المحكمة الاتحادية وفق المادة (93) من الدستور بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة, وتفسير النصوص الدستورية, والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية والمنازعات التي تحصل بين حكومات الأقاليم أو المحافظات, والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، والمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب, وقراراتها باتة وملزمة لكافة السلطات, ومن هنا تتضح القوة التي يتمتع بها المالكي مع وجود "المحمود" في رئاسة المحكمة الاتحادية, ومن المفارقات الخطيرة التي انتهك فيها الدستور والقانون جهارا على يد "المحمود" تتجلى عندما عين نائبه في محكمة التمييز رئيسا لها خلافا للدستور الذي يشترط التصويت في مجلس النواب على تعيين رئيس وأعضاء محكمة التمييز, بالإضافة إلى احتفاظه برئاسة مجلس القضاء الأعلى بجانب رئاسته للمحكمة الاتحادية وهذا أيضا يخالف قانون مجلس القضاء الأعلى الذي أصدره "بريمر" وينص على أن رئيس محكمة التمييز يجب أن يكون هو ذاته رئيس مجلس القضاء الأعلى ... ومن هنا يتضح مدى الاستخفاف بالدستور والقوانين من قبل السلطة القضائية التي من واجباتها صيانة الدستور وحمايته من الخرق,
وعلى عكس المالكي الذي الذي انتابته حالة هستيرية أفقدته توازنه على وقع اجتثاث "المحمود" وأطلق العنان لتصريحاته واتخذ من الإجراءات ما هو خارج نطاق صلاحياته وألغى دور هيئة المسائلة والعدالة ومجلس النواب ليحتفظ بصدامي حد النخاع, تقدم "المحمود" واثق الخطوة يمشي ملكا لهيئة التمييز وقدم طعنا ليرد بالإجماع خلال يوم واحد, فقد حصن دفاعاته جيدا بقضاة توابع اختارهم بعناية فائقة وزج بهم في كل المؤسسات القضائية لم يتوانوا حتى من إغلاق محاكمهم والتظاهر بناءا على أوامره ضد النائب "صباح ألساعدي" فهو صاحب السلطة المطلقة يولي من يشاء ويقصي من يشاء.
"المالكي" ما زال بحاجة "المحمود" لذلك فهو لم يجد وثيقة واحدة لصاحب البيعة الأبدية تدينه, ولا يرى في كونه عضو قيادة شعبة تجعله بعثيا, ومن المحال أن تكون رئاسته لمجلس شورى الدولة تجعله صداميا, ولا حتى اقتراحه وتشريعه لقانون قطع آذان الجنود الهاربين ووشم جبينهم تجعله مجرما بحق الشعب العراقي والإنسانية, ولكنه وجد إن مقتل ابنه الوحيد تمنحه الحصانة ضد الاجتثاث, ووجد ان ما قدمه من خدمات توجب الدفاع عنه وحمايته, فما زالت الرغبة الجامحة للاحتفاظ بعرش الحكم تتطلب ترجمة الرغبات إلى تفسيرات دستورية ومازالت الكثير من القوانين تنتظر ان يضع "المحمود" لمسته السحرية عليها قبل أن يقر قانون المحكمة الاتحادية ويزاح عنوة عن منصبه الذي لم يزحزحه منه حتى قانون التقاعد الإجباري الذي استحقه منذ أكثر من عشرة أعوام.