ذكرى يوم لن انساه في حياتي...

اليوم كنت قاب حظين او ادنى من الموت، شاهدته يرفرف بجناحيه ويلملم بهما احلام الشباب وكركرات الاطفال واماني بياعة الخضروات واصحاب الجنابر والبسطيات... الصدفة اني كنت اجري فحوصا طبية في مستشفى الدكتور عبد المجيد في الكرادة داخل، كنت اجلس مع الصديق الدكتور خالد جمعة ومعنا صديقي الفنان زياد غازي كنا نضحك ونروي النكت واذا ببوق اسرافيل يصرخ في المستشفى معلنا وصول اناس يخرّ منهم الدم والعويل، من قوة الانفجار خيل الينا انه وقع داخل المستشفى، خرجنا بذهول نتطلع الى الوجوه المرعوبة، نسمع الى صراخ الضحايا، الآه تلطم في الجوار، الانفجار لا يبعد سوى (20) متر عن المستشفى، جريمة الضحايا ان بيت رئيس الوزراء العراقي المكلف الدكتور حيدر العبادي في نفس زقاق المستشفى، وعندما حاول صاحب مركبة الموت الدخول، وجد ان الزقاق مغلق بعوارض كونكريتية، عندها قرر ان يقتل الناس الذين تواجدوا على قارعة الطريق، اصحاب جنابر يبيعون الخضروات والعاب الاطفال، والضحايا نساء واطفال، لن انسى منظر طفل عمره اقل من عام يحمله والده ويركض به بحيرة، والدماء تخرج من عينيه وانفه وفمه واذنيه، نظر الي، جمدت الدماء في عروقي، كأنه يقول لي، انقذني، اني اتألم... تذكرت صديقي زياد، قبل اعوام فقد شقيقه وصديقي الرسام سرمد في الكرادة وبانفجار سيارة ايضا، اخذت زياد بعيدا الى عمق الزقاق، خفت ان يأتي احمق بحزام ناسف ليقضي على جمهرة الناس، بعد اقل من ساعة من الفوضى، هجم بعض شباب الكرادة بالعصي (التواثي) على قوات الجيش التي اطلقت النيران في الهواء لتخيفهم وعندما فشلوا هربوا الى نقطة التفتيش الرئيسية مدخل شارع الكرادة... انا ذهبت الى طبيبي الشهم الدكتور هلال الصفار، جلسنا في غرفة ثانية - بعد تحطم عيادته - نلعن الوقت والحال التي يمر بها العراق ،سألني، اليس عبثا ان اتعب مع مريض مصاب بالقلب او الضغط، اعالجه واحرص على سلامته، فيخرج من عيادتي لتسرقه سيارة مفخخة؟ يالله سؤال بحجم الكون كله لا من جواب له سوى سريالية الحال التي نعيشها... بعد قليل ذهبت الى سيارتي التي كانت في كراج مقابل نقطة الانفجار بالضبط، وجدتها قد تضررت كثيرا (فدوة) المهم سلامة الناس، التقطت هذه الصورة بهاتفي وعدت الى البيت احمل معي تحاليل طبية وصورة وجه طفل مدمى، وصوت الموت وهو يحلق بعيدا بضحاياه الى اللامكان واللازمان، وذكرى يوم لن انساه في حياتي...