القضاء العراقي امام تحدٍ لأثبات الوجود

حينما تتحول السلطة من حكومة الى اخرى تقوم التي تليها بتقييم سابقتها واظهار الخلل واصلاحه ان كان هناك خلل, فكثيراً ما قرانا في الصحف او شاهدنا تقارير تبين السلطات القضائية في بعض الدول بمحاسبة مسئولين الحكومات المنتهية واظهار الملفات المتعلقة بالفساد سواء كان المسئول بريئاً او مذنباً فهذا ما سيحدده القضاء والذي يكون مستقلاً حسب النظم المتبعة في الدول التي تصرح بأستقلالية القضاء . من تلك الدول التي الزمت نفسها بأن السلطة القضائية فيها مستقلة ولا يمكن لحكومة ما التأثير على قرارتها هي الدولة العراقية والتي بينت ان القضاء فيها مستقلاً ولا يمكن المساس بقرارته والتأثير عليها . لذا فالقضاء العراقي امام مرحلة لاختبار ( حياديته ) في اتخاذ القرارات والبت في التهم الموجهة الى مسئولين الحكومة المنتهية ابتداء من السيد رئيس الوزراء نوري المالكي وانتهاء بالمدراء العامين الذين كانوا من ضمن ادارة تلك الحكومة المنتهية . فقد شهدنا في تلك الفترة اي فترة رئاسة السيد نوري المالكي ( 2006-2014 ) الكثير من ملفات الفساد التي لم يتم حسمها قضائياً, اذ كانت فقط تُتداول اعلامياً من قبل القنوات الفضائية اوعبارة عن تصريحات بين المسؤولين المتخاصمين انذاك , مع ان الجميع كان يدعي امتلاكه ( للوثائق ) التي تدين فساد تلك الوزارة او الوكالة , ولم نرى للقضاء اي كلمة في كل ما مر سوى احكام خجولة او قد تكون مع وقف التنفيذ , وكان البعض يُصرح بأن القضاء ( مسيس ) اي انه تحت سطوة الحاكم حينها والذي هو السيد ( نوري المالكي ) .

الكثير من الملفات التي لم نرى للقضاء اي كلمة فيها, أبتداء من صفقات وزارة الدفاع وانتهاء بفساد وزارة التجارة , وتلك ليست مجرد ملفات وكلام يقال هنا وهناك, بل هي دماء ابرياء سالت على مدى سنين و مليارات من الدولارات ذهبت دون ان نعرف اين استقر بها المقام وعند اي جهة كانت وجهتها , لم نعرف حقيقة الامر الى هذه اللحظة , من هو السارق ومن هو الشرطي , ومن الفاسد ومن الشريف, من هو الوطني ومن هو الخائن , اختلطت علينا الامور حتى اصبحنا نرى ان الجميع فاسداً من دون استثناء اية جهة , فمن يريد ان يبرئ ساحته السياسية فما عليه الا ان يُقدم ما يملك من وثائق دامغة للقضاء العراقي كي ينظر فيها ويعلن حكمه بها , بعد ان تم تحريره من قبل يد السيد نوري المالكي ( حسب ما كان يراه البعض من ان القضاء كان خاضعاً لسلطته ) , حتى نشعر ولو بالقليل من الاطمأنان بأن القضاء العراقي الحالي غير خاضع لاية جهة سواء كانت حكومية او حزبية.

اما لو تحدثنا عن تنحي المالكي بتلك الطريقة دون مطالبته بالملفات التي كان يملكها ضد خصومه ( حسب ما كان يدعوهم ) فهذا عين الاستهتار بدماء الناس واموالهم من قبل القضاء وان تكتم عليها المالكي فهو اما مشترك بها ويتحمل المسئولية منفرداً او يكون كاذباً مدعياّ ليس الا , وانا لا اراه كاذباً بل كل ما في الامر كان الرجل يحاول تثبيت سلطانه من خلال التلويح بملفات الفساد تجاه الخصوم كي يكسب صمتهم او تأييدهم له, فالواجب على القضاء العراقي الان ان يطالب جميع من يملك وثائق ضد الحكومة السابقة للبدأ بالنظر بها ومتابعتها , لا ان يقوم السياسيون الان باطلاق عبارة " عفى الله عما سلف " حينها نتيقن ان القضاء لا زال بيد المسئولين وان الحكومة الحالية ( حكومة السيد حيدر العبادي ) كسابقتها لا ترى للقضاء العراقي اي قيمة , بل وستكون اسوء من سابقتها .