لماذا تأخر المالكي في إعلان خروجه؟.. إتفاقات تحت الطاولة |
توطئة: كان تشبثه بالكرسي إلى اللحظة الاخيرة مدروساً، فهو يدرك أن خروجه من منصب رئاسة الوزراء سيفتح على نيران جبهات متعددة سياسية وإعلامية وأمنية ومالية داخلية وخارجية، وقد تمنى أن يكون خروجه مدوياً تسقط خلفه الرؤوس والايدي، ولكنه لم يكن يتوقع أن تتم محاصرته بكل أوراق الضغط بحيث تضيق عليه الارض بما رحبت، ولما أدرك أنه أسقط في يده تماماً أراد الحفاظ على ماء الوجه وقد ساعده الاخرون على ذلك فكان هذا الخروح الإعلامي السريع والهزيل ليقول أنه تنازل عن السلطة، وهو والجميع يدركون أنه لا يملك ما يتنازل عنه فقد سحب البساط من تحت قدميه وبقي واقفاً يتلفت بحسرة. هل كان يحتاج لكل هذه الوقفة ليدرك حقيقة الأمر؟ في تقديري أن المالكي كان يدرك فعلياً حقيقة ما يجري حوله، وهو علم منذ وقت طويل أنه لن يحصل على الولاية الثالثة، فهناك الكثير من المواقف من داخل التحالف ومن بعض أعضاء كتلته الذين تخلوا عنه كالعامري والشهرستاني إضافة لحسم الموقف تماما من قبل المجلس والصدريين، وهو يدرك أن المرجعية قد حسمت رأيها تصريحاً وتلميحاً، وكذلك الاكراد والأطراف الأخرى التي إكتفت من تجربتها البائسة مع تحركات المالكي وأزماته التي لا تنتهي. لا شك أن الرجل كان واعياً بكل ذلك، ولكنه كان يبحث عن مخرج الساعات أو اللحظات الاخيرة عبر القيادات العسكرية التي تجاهلت هي الأخرى رغبته وأدركت أنه أصبح قضية خاسرة خاصة أن الانهيارات المتتابعة قد كشفت عن إقتراب نهاية المرحلة، وأن عصر المالكي قد أفل. ولكن هنا يبقى التساؤل عن تأخير إعلان النهاية. لاشك أن التسارع في النهاية جاء بعد ترشيح الدكتور حيدر العبادي من قبل الائتلاف الوطني وتقديم الترشيح للرئيس معصوم ثم إعلان هذا الاخير بأن الدكتور العبادي هو رئيس الوزراء المقبل. هنا كان على المالكي أن يفكر في إسلوب للخروج ليس ليحفظ ماء وجهه فقط ولكن لينتشله من حالة الضياع والقلق حول مصيره القادم، فكان لابد من خوض مفاوضات عصيبة جرت تحت الطاولة لضمان خروجه دون ملاحقة قانونية سواء في الجانب السياسي أو المالي أو الاجتماعي الخدمي أو الامني، وهي قضايا خاضها وكلها فشل فيها فشلاً ذريعاً حتى أن قوات الارهاب الداعشي صارت على أطراف بغداد. من البديهي أن أي تغيير سياسي سيترك تبعات كبيرة ولكن المالكي لم يكن يملك أوراق ضغط يلعب بها، فكل التهديديات السابقة في خطاباته بأنه يملك ملفات ستحرق العراق وتحوله الى جحيم لو خرج من السلطة لم يستعمل أياً منها لو كانت صحيحة، بل أني كمراقب سياسي أرى أنه لم يكن يملك تلك الملفات الخطيرة التي حاول إيهامنا بانه يملكها! ولو كان فعلا يملك شيئاً خطيرا يقلب الطاولة على لاعبيها لفعل كما فعل في بداية الامر حين أزاح الجعفري، ثم تلاعب بالاوراق ليزيح علاوي بتسميات وتعريفات خارجة عن السياق القانوني والدستوري. المالكي حصل على إتفاقات اللحظة الاخيرة لضمان عدم التعرض له ولعائلته وبعض مقربيه ولضمان الإحتفاظ بثروته وحساباته المليونية في الداخل والخارج، وهو هنا لايختلف عن الكثيرين ممن إضطرتهم الظروف نتيجة لاخطائهم السياسة في التخلي قسراً عن مناصبهم. ماذا عن المستقبل؟ قلة نادرة من السياسيين العراقيين الذين خرجوا من مناصب كبيرة في مرحلة ما ثم أكملوا مسارهم السياسي في شكل آخر، لعل السبب يعود للوجاهة والثروة والمكانة التي يفرضها المنصب السياسي، ولعلهم حسبوا أن مكاسبهم يمكن أن تستمر ولكن بطرق أخرى. في أيام العهد الملكي كان من يعين رئيساً للوزراء في مرحلة سياسية ما يمكن أن يكون وزيراً في مرحلة أخرى، وقد يعود رئيساً للوزراء أو يبقى وزيراً في وزارة أخرى. في تلك الفترة إتبعت السياسة العراقية في مناهجها الأشكال السياسية التي كانت سائدة في بريطانيا بسبب هيمنة بريطانيا على الفكر السياسي في العراق. ولهذا لم يكن يجد السياسي حرجاً في الانتقال من منصب أعلى إلى أدنى أو بالعكس فهو يعتبر كل ذلك عملاً سياسياً يجعله جزء من تروس الماكنة وهي تدور. ولكن السؤال هنا ما الذي سيفعله المالكي في مرحلة الدكتور العبادي؟ هل سيتخلى عن العمل السياسي وينزوي بعيداً داخل العراق؟ هل سيسافر ليستقر في دولة أوربية أو عربية أو تراه سيذهب للعيش في إيران خاصة أن سوريا التي إستضافته فترة طويلة لم تعد آمنة كالسابق؟ في تصوري ووفقا لدراسة شخصيته وأسلوب تفكيره في صنع الازمات فان المرحلة القادمة لا تستوعبه لكثرة الاخطاء والازمات التي تسبب بها، وهو سيحاول النجاة وفق إتفاقات اللحظات الاخيرة التي جرت تحت الطاولة وحصوله على الضمانات بعدم ملاحقته والتعرض له ولعائلته، ولهذا فأنا أرى أنه سيغادر على الاغلب إلى إيران لتطوى صفحته إلى حين ولكنه من جانبه سيسعى مرة ثانية للوصول إلى العملية السياسية بضمانات خارجية غير ان ذلك لن يتم بسهوله ولا في الوقت المنظور القريب. وقد لا يفعل ذلك ويكتفي ما حصل عليه. |