يجري الحديث، وعلى نطاق واسع، عن الحاجة الى حكومة شراكة تمثل المكونات عبر الكتل والاحزاب السياسية التي حصدت اكثر المقاعد، وفي ثنايا الكلام نتعرف الى حقيقة ان الكتل البرلمانية المعنية بتشكيل هذه الحكومة والمرشحة الى المساهمة فيها ترمي بكل ثقلها وراء هذا الخيار وترجمته الى خارطة “محاصصة” يتقاسم بها الجميع مقاعد الوزارة الجديدة، وفق قواعد قديمة، ومكررة، لا يجد فيها المستقلون مكانا او هامشا للمشاركة في قيادة البلاد. والحق، ومن الزاوية التحليلية الواقعية، ليست هناك ارضية لتشكيل حكومة جديدة عابرة للشراكة في مضمونها المحاصصي في ظل الاستقطاب السياسي الجديد وحساسية الوضع الامني وتهديدات التمرد الارهابي المسلح وتحديات الملف الاقليمي، على الرغم من وجود حزمة اصوات ومحاور تعارض هذا المنحى من تحت قبة البرلمان، وقد يزداد تأثيرها وحجمها في حال جاءت الحكومة على منهج وعقائد رئيس الوزراء السابق الامر الذي يعيد انتاج الازمات والصراعات على نحو كارثي. في السياسة، لا وصفة لدرء الفشل من غير ارادة تصر على تهيئة اسباب النجاح، او من غير عقيدة تتهجأ فجوات الفشل وتعرف كيف تتعامل معها وتنأى عن مؤشراتها كسبيل الى النجاح، وثمة في تجربة السنوات العشر الماضيات ملف كامل عن الخطوات والسياسات والمواقف التي اخفقت في ضبط الوضع الامني وحالت دون اعادة البناء ومسخت الديمقراطية من اول ابجدياتها حتى آخر تعبير عنها في الانتخابات، وادخلت البلاد وعملية التغيير في دهاليز وكوارث، وعرضتها الى التدخلات الخارجية ومشيئاتها. حكومة الشراكة التي يجري الحديث عنها، إن لم تكن هناك امكانية لاستبدالها بحكومة مواطـَنة وعلماء ومفكرين وخبراء فهي (في الاقل) بحاجة الى قطع غيار من خارج الادوات التي زنجرت واستهلكت وثبتَ عُقمها بل ودفعت البلاد ارواحا وثروات وسمعة عنها، وسيكون من اللازم البدء في الترميم من المحطة التي تم فيها الانتقال الوعر من ساتر “المقبولية التصويتية” للكابينة السابقة الى خيار “المقبولية الوطنية” حيث يتوجب كسر منظومة السياسات القائمة على الارتجال والفردية والفئوية المقيتة، واحلال مبدأ المواطنة في التعامل مع العراقي بعد ان كان مبدأ الولاء شرطا لضمان ابسط الحقوق والبقاء على الحياة. وعلى قدر إدخال قطع غيار حديثة، وفاعلة، وغير مكررة في إدارة السياسات الجديدة، وفي صلب برنامج وزارة الشراكة قيد التشكيل، فانه يمكن القول بان البلاد ستكون على مشارف الخروج من النفق المخيف الذي وجدت فيه نفسها، وبخلاف ذلك فان الثمن سيكون إحالة العراق على المعاش.
“يرون الافضل ويستحسنوه، لكنهم يفعلون الاسوأ”. اوفيد- شاعر روماني
|