ليست زهورا، بل غابة من الملفات الشائكة تنتظر على طاولة السيد العبادي، يوم يدشن مكتبه الجديد في المنطقة الخضراء. فقد ورث من سلفه، ورفيقه الجهادي عراقا في اسوء حالة، لم تمر عليه منذ تاسيسه وتنصيب الملك فيصل في 23 اب عام 1921 الى يوم وصول السيد المالكي للحكم. والازمات التي تنتظره ليست فقط سياسية، وانما امنية وعسكرية، خدمية وادارية، اقتصادية ودبلوماسية... الخ فالعراق يبدو من الخارج وكأنه تنين يحتضر.
وامام السيد العبادي، في اسابيعه الاولى، خياران في التعامل مع الملفات "الازمات" المؤجلة هذه. خياره الاول هو الاحتفاظ بطاقم مستشاري المالكي السابق، اي الاستمرار بسياسة سلفه، وهي التصعيد الدائم، سواء داخليا، مع المكونات المجتمعية الاخرى، او خارجيا، مع الجوار الاقليمي، وبذلك يحصد نقاط انتخابية كثيرة وجماهيرية واسعة، ولكن على حساب الاستقرار في العراق.. كون التصعيد السياسي دائما يوحد صفوف فئة كبيرة من الجماهير الشيعية المتأثرة بالاعلام خلف القائد الراديكالي، خصوصا في الوضع الاقليمي المتشنج الذي نعيشه.
او الخيار الثاني وهو الاستغناء عن طاقم المستشارين للرئيس السابق وانتهاج سياسة جديدة في الانفتاح هدفها التنظيم العقلاني للعلاقة بين الاطراف والمركز، والدخول بحوارات جادة بعيدا عن لغة التشنج والتهييج الاعلامي، وبذلك يفقد قاعدة جماهيرية تعب على بنائها السيد المالكي طوال السنين الثمان المنصرمة، وهم فئة "الامية السياسية" التي يحركها الاعلام، ولكنه في الوقت نفسه يبني لعراق متصالح مع نفسه، ويوفر قاعدة اساسية وضرورية من اجل عودة البلد للاوضاع الطبيعية واسترداد عافيته.
وامام هذا المفترق، فان خيار السيد العبادي مازال مجهولا، فمن جانب هو لا يختلف عن سلفه السيد المالكي كونه ينحدر من تصور "ديني-سياسي" ليس من اولوياته الاهتمام بالخدمات وتحسين المستوى الاقتصادي، ويفتقر الى برنامج علمي متكامل لادارة بلد وتحقيق النمو، بل يعتبر ان البقاء في السلطة باية وسيله هو فرض وحق الهي وان تعددت السبل لذلك.
ومن جانب اخر فان السيد العبادي رجل علمي، شقى لنيل شهادة الدكتوراه في الهندسة وعاش اغلب سني عمره في كنف المجتمعات العصرية الناجحة ولا شك انه قد تأثر بالمنهج العلمي في ادارة البلدان نتيجة معايشته المباشرة للتجربة البريطانية على الاقل، عكس سلفه الذي عاش حياته كلها في ظل نظامين متزمتين هما ايران وسوريا، الاول ثيوقراطي "جهادي" راديكالي، والثاني ديكتاتوري قومي متطرف، هذا بعد ان غادر العراق وهو في ظل نظام البعث السابق.
على السيد العبادي ان يختار اي الطريقين، والزمن يمر مسرعاً على ضوء الوضع الامني المتردي في العراق، ولن يمنح ادارة السيد العبادي سوى فرصة واحدة، وخيارين، اما ان يواصل سياسة سلفه في الهدم، وحصد شعبية واصوات انتخابية من بسطاء الناس، او تغييرها باتجاه البناء على حساب رصيده الذاتي في المعارك الانتخابية القادمة. وقرار السيد العبادي في الاختيار سوف لن يقرر مستقبل العراق للسنوات الاربع القادمة، فقط، وانما ستمتد تاثيرات هذا القرار الى المدى البعيد ايضا. واتمنى ان يعي بالفعل خطورة هذه الاسابيع القليلة القادمة على التاريخ العراقي.
صحيح ان ارث المالكي ثقيل جدا على كاهل سلفه، العبادي، يحمله مثل خزانة مسروقة، وهو يقف حائرا في مفترق الطريق، الا ان الفرصة الاخيرة ماتزال، والعراقيون مايزالون بالانتظار، في اي الاتجاهين سينقل الرئيس الجديد القدم؟
|