غِده الشـر

أكاد أشم في هذه الأيام شيئا من رائحة "شوية" الفرح التي ظل كاظم إسماعيل الكاطع يبحث عنها حتى يوم رحيله. كانت ليالي الحزن طويلة على العراق. لا ألوم من كان يحسها قرونا وليست ليالي. كانت كثقل دبابة جاثمةعلى الصدر. أشد ما في أحزاننا أنها زرعت بنا خوفا من التفاؤل. أما تفاءلنا يوم سقط الطاغية الأول؟ لكن الى أين انتهى بنا التفاؤل؟ ماتت على ألسنتنا حتى كلمة "أبشرك" بعد عقد كامل من سقوطه. أيحسب العمر عمرا على صاحبه ان لم يحظ فيه ببشارة خير واحدة؟
تحوّل حزن السنين الطوال الى بركان شر يوم داهمتنا داعش . لحد قبل أسبوعين كانت داعش تذبح وتسلخ وتحرق وتسبي، وبدا العراق بلا معين يعينه او ناصر ينصره ولا حتى صديق يعاضده. لا أقول غير سامح الله من كان السبب.
أما اليوم فاني أرى الشر يكاد يختنق. صار للعراق أصدقاء وإخوة بعد ان دقت الأيام بينه وبينهم "عطر منشم". من أمريكا الى أوروبا الى تركيا وايران والسعودية والكويت والأردن؟ الكل يتمنى له الخير. هذه لوحدها نعمة حرمنا منها طويلا. بلدي أحبك اكثر حين يحبك الآخرون. أنس العتاب، يا صاحب القلب، فجرحك اكبر من العتب.
الأخبار حلوة: داعش ترتبك. داعش تندحر. قوات البيشمركة تستعيد سد الموصل. عشائر السنَّة نهضت من جديد. جيشنا استعاد عافيته وصارت الوكالات تسميه باسم العراق لا باسم هذا او ذاك. لم يعد وحيدا بعد اليوم. أغلب الشيعة صاروا يعرفون من هو عدوهم الحقيقي وليس الوهمي.
الفضائيات العراقية التي كانت مسرحا "للتناطح" صارت اكثر هدوءاً. غابت عنها الوجوه الغاضبة المكفهرة. حتى "ريّا وسكينة" العراقيتين، ضمتا وجهيهما واختفت بضاعتهما من السوق. الفيسبوك، هو الآخر، ارتاح من سلاطة ألسنةِ الشتامين. هناك مفردات جديدة للحب والتفاؤل بدأت تنتعش. وفي المقابل صارت داعش تلفلف راياتها السود استعدادا للرحيل. دفعة مردي.