مجلسا السياسات الإستراتيجية والأمن الوطني

في محاولة للخروج من مأزق نتائج انتخابات 2010 بشأن من هو صاحب الحق بالتكليف بتشكيل الحكومة اقترح رئيس الجمهورية د. معصوم الذي كان رئيساً لكتلة التحالف الكردستاني في البرلمان الاتحادي، بدعم من الرئيسين مام جلال ومسعود بارزاني في اربيل، مشروع تشكيل مجلس وطني للسياسات الإستراتيجية، يضم زعماء القوى السياسية ورؤوساء الكتل وخبراء متخصصين، لصياغة افكار ومبادئ تُحال إلى الحكومة ثم تعرض على البرلمان بصيغة نهائية لتشريعها.
مشروع مجلس السياسات الإستراتيجية لم يكن القصد منه ارضاء د. إياد علاوي وتعويضه عن رئاسة مجلس الوزراء، إنما الأصل في الفكرة هو جمع زعامات القوى السياسية في هيئة استشارية عليا لتنضيج الأفكار والمشاريع التي تخدم الشعب العراقي وتصون سيادته ووحدته، بتجسيد الشراكة في اتخاذ القرار وتنفيذه. وقد كان في الإمكان ان يؤدي المجلس المقترح دوره في امتصاص الخلافات من خلال المكاشفة وتحري نقاط اللقاء والمصالح الوطنية المشتركة، لولا ان الكتلة النيابية الفائزة باكبر عدد من المقاعد ارادت تحويل هذا المجلس إلى مجلس قيادة ثورة تكون صلاحياته فوق سلطات الدولة، بالتالي يكون رئيسه متمتعاً بنفس صلاحيات رئيس مجلس قيادة الثورة بكل ما فيها من شمولية، بالأخص عندما اراد د. علاوي ان يكون رئيساً لرؤوساء السلطات الثلاث الذين هم حكماً ينبغي ان يكونوا في مجلس كهذا، في حين ان المقترح هو توليه مهمة الأمين العام.
حالياً في هذا الظرف الدقيق ينبغي ان يتفق زعماء القوى السياسية ورؤوساء الكتل النيابية على الأهمية الملحة لإقامة هيئة دائمة للتشاور فيما بينهم تتولى تنضيج الكثير لعرضه على السلطات الثلاث كل بحسب اختصاصه لبلورة صيغه الدستورية التي تخدم الشعب والوطن.
وإذا ما كان من الضروري إقامة مجلس وطني للسياسات الإستراتيجية، فمن الضروري في الوقت نفسه تشريع قانون بشأن صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، ومن الضروري ان يتجاوز هذا التشريع الصلاحيات الشمولية التي كانت قبل خلع النظام السابق، بمعنى ان القائد العام للقوات المسلحة يتخذ قراراته بناء على مشورة تأتي من المجلس الوطني للأمن والدفاع، وهي هيئة ينبغي ان تضم قادة صنوف الأسلحة، والأجهزة الأمنية، بجانب وزيري الداخلية والدفاع، ولها هيئة استشارية تضم خبراء دستوريين وقانونيين واقتصاديين. وهو ما معمول به في كل الدول الديمقراطية، بل ودستور مصر الراهن نص على ضوابط دقيقة لقرارات رأس السلطة التنفيذية.
إن تخطي حالة التذمر من “الاستفراد” بالقرار، بجانب احكام السيطرة على مظاهر الفساد المتفشية، لن يتحقق بدون مأسسة الصلاحيات الدستورية لأي من رؤوس السلطات الثلاث ومجالسها، وهي مأسسة ينبغي ان تبنى على اكبر قدر من الشفافية والخبرات والتشاور، بعكسها فإن رفض الولاية الثالثة لن يكون له من معنى سوى استبدال الوجوه مع بقاء المشكلة وتعميقها.