لا يستقر بلد ينجو فيه السارق والانتهازي والطائفي بمساعدة القانون وقوته، كتبت هذه العبارة قبل اكثر من عام حين كنت ارى المتهمين ببعض صفقات الفساد وهم يبتسمون من على شاشات الفضائيات، فيما العدالة لم تتحرك، ولم تر فيهم سراقا ولا مجموعة انتهازيين استغلوا مناصبهم في السحت الحرام.. وكان هناك من منع وسعى وصمم من اجل ان لا تصل الحقيقة الى أروقة القضاء، وهناك من أتحول الى سد منيع بوجه فتح ملفات الفاسدين والمفسدين، وهناك من أراد لقضايا الفساد أن تبقى جرائم عائم يتم الحديث عنها في البرلمان ومن على الفضائيات، ولكن لا وجود لها في سجلات المحاكم.
قبل عام ونصف من هذا التاريخ قررت الحكومة وبمعاونة بعض النواب ان تطلق قذائفها الثقيلة ضد الدكتور سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي ومعاونه مظهر محمد صالح تحت شعار: "لا نريد خبراء اقتصاد يتولون شؤوننا" ، وبنى هؤلاء القناصون والرماة خطتهم في القصف على أساس ان الشبيبي ينتمي إلى طائفة من التكنوقراط لا تنسجم مع مقتضيات الواقع الجديد، الذي يريد له البعض أن يستند على قيم المحاصصة الطائفية والمحسوبية والجهل والخرافة، بل ذهب خبراء دولة القانون إلى اتهام الرجل بأنه مسؤول عن تهريب أموال العراق الى المنظمات الإرهابية.
لا اناقش هنا صحة الاتهام الذي وجهته الحكومة انذاك للبنك المركزي من عدمه، فقط أتحدث عن المنهج والطريقة التي تعاملت بها الحكومة السابقة مع سنان الشبيبي ونائبه مظهر محمد صالح، ومعهم بعض الموظفات ، فالقرار الذي اتخذ بإقالة سنان الشبيبي و اعتقال مظهر محمد صالح دون ان يسمح لهم بتوضيح وجهة نظرهم او ان يقدموا ادلة براءتهم، كان يؤكد بالدليل القاطع إن العراق يعود وبقوة الى أجواء ما قبل 2003، حيث عاود مؤشر التفرد بالسلطة إلى الارتفاع، من خلال إغراق الناس في خطب متحذلقة، فاقدة للمعنى والثقة، خطب وقرارات جعلت المواطن يشعر بالأسى وهو يرى إصرار مسؤولي الدولة الكبار آنذاك على إفراغ البلد من أصحاب الكفاءات والخبرة، وحيث وجدا سنان الشبيبي ومظهر محمد صالح وأمثالهم أنهم في مواجهة سياسيين يكرهون أوطانهم.. في الدول التي تحترم إرادة مواطنيها نجد مؤسسات الدولة تكرم علماءها ومبدعيها من خلال الحفاظ عليهم باعتبارهم عملاتٍ نادرة الوجود، فيما مارس مسؤولينا سياسة الجدل السياسي الفارغ الذي فسح المجال للمحسوبية والمزاجية في الإدارة والتي هدمت أكثر ممّا بنت
لعل قمة التناقض والازدواجية، حين جيشت الجيوش ضد عالم وخبير اقتصادي كبير لمجرد أنه رفض دخول احدى الهيئات المستقلة الى حظيرة الحكومة ، وحين تحركت قطعات المدفعية لدك محاولاته لإصلاح النظام المصرفي في العراق، في الوقت الذي كان فيه رئيس مجلس الوزراء السابق يخرج على الناس كل يوم بخطب ثورية عن الإصلاح ومحاربة الفساد والاستفادة من الخبرات.
الخاسر الأكبر من قرار اقالة الشبيبي كان ولايزال الشعب العراقي الذي يحتاج في هذه الايام العصيبة الى كل الكفاءات الوطنية ، بالمقابل فان العدو الاكبر لاستقرار البلاد هم مقربو السلطة الذين يصرون على اشاعة الفوضى والمحسوبية.
لقد تعرض الشبيبي والذين معه للإهانة والتخوين لمجرد أنهم قالوا يوما إن "البنك المركزي هيئة مستقلة" والسيطرة عليه حرام .
ان ملف الشبيبي يجب ان يدرج على قائمة اولويات الحكومة الجديدة.. وبعيدا عن أي قرار يتخذه السيد حيدر العبادي بخصوص هذا الملف الذي شغل الاعلام طويلا وراح ضحيته واحد من اهم العقول الاقتصادية في العالم "، فأن عالما مثل سنان الشبييي سيبقى شامخ القامة رافع الرأس، عالي الضمير.. وستذكر له الأجيال القادمة انه ظل في أصعب الأوقات رجلا بلا صفقات ولا مؤامرات، ثابت الموقف، نقي الضمير.. والأهم انه رفض ان يساوم على نزاهته وامانته
|