لا للــــــدم

ان كان هناك باب وجواب في قول ان "الشعر أروعه أكذبه"، فلا باب ولا جواب لو طبق على الأغاني التي تسمى "وطنية". فأتعسها قطعا أكذبها. في الشعر قد يكون الكذب كناية عن الخيال او المخيلة وقد لا يضر الا قائله ان كان به ضرر. أما الأغاني التي تستهدف تحريض الناس واللعب على مشاعرهم باسم الوطن والوطنية بزمن الحروب فإنها تكذب عليهم وتغسل أدمغتهم وتضحك على عقولهم. والأكثر ضررا انها قد تتسلل لقلوب لأطفال لتغذيها بروح الكذب. ألم يغنّ أطفالنا يوما، انهم قادرون على محو أمريكا من الخارطة بعد ان سمعوها من كبارنا وصدقوها؟
مرّوا على أغاني الحرب في هذه الأيام واحسبوا عدد الكذبات فيها. المشكلة انها تلقى رواجا في الكيّات والتاكسيات وعلى ظهور الخيل وفي الفضائيات. أبو "طكت والما طكت" ربما يقصد المفخخات. أحقا انه ومن ومعه سيظلون يهوسون، لو انها طكت؟ ما أقرف الكذب والسذاجة حين يجتمعان.
ولأنها لو خليت قلبت كانت هناك اغنية، من بين هذا الركام الغنائي الموروث من زمن الدم والدكتاتورية، فيها شيء ملحوظ من الواقعية والجمال أيضا. انها اغنية: لا للدم.
رضا الخياط صديق العمر القديم الذي فارقته منذ زمن بعيد اراه هو نفس الرضا في الاغنية. قلبه الطفل ما زال او ربما عاد طفلا من جديد وهو يغني ضد أغاني الدم. لا هوسة ولا ردح ولا ابتذال ولا انفعال. أجمل ما في رضا روح الرضا المسالمة التي يحملها. الأغنية كتبها مع حسن الخزاعي. لقد أحسن الشراكة والاختيار.
حسن هو الآخر صديق عمر. صادقته واحببته من اول أيام الصبا. رائحة قلبه الطيب، التي كانت تفوح حوله أينما حلّ، شممتها في الأغنية رغم بعد المسافات ورغم اني لم اره منذ 30 عاما.
أظنها أنها الأغنية الوحيدة التي سمت على الأغاني العنجهية والتطبيلية التي ظلت تصبّحنا وتمسّينا عقودا بكذبها الفاضح. شكرا يا رضا ويا حسن، فقد احسنتما الدعاء.