في سيكولوجيا التفاوض (2-2).. مهداة الى السادة رئيس الوزراء واعضاء التفاوض
شهد الاثنين (18 /8 ) بدء عملية التفاوض بين ممثلي الكتل السياسية الرئيسة. وكما توقعنا في الحلقة السابقة فان هذه الكتل اعتمدت تكتيك (علّ السقف لتحصل على ما تريد)..اذ قدمت احداهن (19) مطلبا،وأخرى (17)مطلبا..كثير منها من اختصاص البرلمان ولا علاقة لها بمهمة السيد حيدر العبادي المكلف بتشكيل الوزارة..وهذا ناجم عن حالة سيكولوجية كنّا شخصّناها بأن حكومات ما بعد التغيير،لاسيما الأخيرة،كانت منتجة للأزمات،وانها برمجت العقل السياسي العراقي على ان يتفنن او (يتذاكى) في خلق الآزمة للآخر..نجم عنها ان جرى تفعيل لخلايا الدماغ والمراكز الخاصة بالكراهية والخوف والشك بالآخر ،وسبات للخلايا والمراكز الدماغية الخاصة بالحب وحسن الظن بالشريك..وانه ما لم يجر تفعيل معاكس للعقل السياسي المفاوض بفتح نوافذ جديدة للحوار واستعداد نفسي لتقديم تنازلات متبادلة،والشعور بالتفاؤل..فان مهمة السيد العبادي ستكون معقدة وستأخذ وقتا يخدم اعداء العراق..لاسيما لغز (داعش).
  كان المفروض في السيد العبادي ان يطرح البرنامج الحكومي لوزارته التي يفترض فيها ان تكون حكومة توافقية ترضي جميع الاطراف،وتلك مهمة صعبة ذلك ان (بريمر) كان قد دق (التثليث في شاصي ) العملية السياسية العراقية.غير ان السيد العبادي اشار الى انه سيعتمد مبدأ الترشيق في تشكيل الوزارة..وهذا اجراء صحيح سيسهل عملية التفاوض مع مكونات (التثليث) ،فضلا عن ان لدينا من الوزراء اكثر من ضعفي نظرائهم في الحكومة المصرية مع ان نفوس مصر ثلاثة اضعاف نفوس العراق.
 ان الهاجس السيكولوجي لدى الكتلتين الرئيستين (السنّية والكوردية) وكتل اخرى ،هو الخشية من ان يعمد السيد العبادي استراتيجية سلفه في التفاوض التي تقوم على استنزاف الطرف الاخر واعتماد التسويف والخداع والتمويه..او يعتمد اخرى اخف ولكنها اشد مكرا هي استراتيجية (التشتيت او التفتيت)..سواءا في تفتيت مطالب هذه الكتلة او تلك،او التشتيت بين اطراف التفاوض..التي يلجأ اليها قائد التفاوض مضطرا حين يتعرض لضغط تفاوضي عنيف او مبادرة تفاوضية جديدة ما كانت ضمن توقعاته..او يعمد الى استخدام استراتيجية (احكام السيطرة) على هذا الطرف المفاوض او ذاك بهدف اخضاعه.
 تلك ثلاث استراتيجيات تخشى الأطراف المفاوضة ان يعتمدها السيد العبادي فيخلق لديهم رد فعل سيكون مضخما..وهذا من طبيعة الشخصية العراقية عموما..ذلك ان الاحداث اشاعت سوء الظن والشك بالآخر والتأويل السلبي والتضخيم بين السياسيين اكثر من حسن الظن وصدق النوايا في الآخر.
 وعليه فان المفاوضات الجارية الآن يجب ان يتوافر فيها حسن النوايا والرغبة المشتركة والحقيقية لدى الاطراف المتفاوضة لحل مشاكلها بالتفاوض واقتناع كل منهم بان التفاوض الايجابي هو الوسيلة الوحيدة بعد عشر سنوات راح ضحيتها الملايين بين شهيد وجريح ومهاجر ومهجّر بسبب اعتماد من كان في السلطة استراتيجيات خائبة في التفاوض.
  ومن باب المسؤولية الوطنية والحرص على انجاح العملية السياسية، فاننا ننصح السيد حيدر العبادي والاطراف المفاوضة اعتماد منهج (المصالح المشتركة) الذي يقوم على استراتيجيتين: (التكامل) بان يصبح كلّ واحد منهم مكمّلا للاخر ،و(التعاون) بالوصول الى تحقيق مجموعة من الاهداف العليا التي تعمل على تطوير المصلحة المشتركة بين اطراف التفاوض وتوثيق اوجه التعاون.
 ان كلامنا هذا قد يبدو خياليا للبعض او غير ممكن عمليا في ضوء (مخلّفات) استراتيجيات التفاوض الفاشلة للحكومة السابقة،وما افرزته الاحداث من تعميق للصراع.غير ان واقع الحال يفرض على الاطراف المفاوضة ان لا طريق امامها سوى اعتماد منهج المصالح المشتركة القائم على استراتيجيتي (التكامل والتعاون).صحيح انهم لن يبلغوا الحالة المثالية،لكنها ستشكل البداية شرط توفر حسن الظن وصدق النوايا  التي تفضي سيكولوجيا الى المرونة في تقديم التنازلات المتبادلة التي تضمن ان تكون المصالح متوازنه بين اطراف التفاوض،وهذا يتطلب ان يتوافر الاقتناع بالرأي لدى المفاوض،قبل اقناع الآخرين به.
 
 
ان الاجواء النفسية قبيل واثناء التفاوض عامل مهم في عملية التفاوض،ليس فقط في اسلوب الكلام الذي ينبغي ان يكون مرنا..بل ولغة الجسد التي يفوق تاثيرها لغة الكلام احيانا.وليسمح لنا السياسييون بالقول انهم جميعا يمتلكون لغة جسد خشنة ترسل اشارات صريحة للمقابل بان هذا الشخص يصعب او لا يمكن التفاهم معه.فمعظمهم يمتلكون وجوها مسطحة، مكفهرة، متشنجة،غاضبة،وكأن بينها وبين الابتسامة..خصومة مستديمة!.