ما الذي يحدث في العراق.. كل طائفة تدافع عن نفسها وتترك اختها تغرق !!

كل مكون يريد اقليما وجيشا وحكومة خاصة به

في 10 حزيران، تخلى الجيش العراقي عن واجبه في الدفاع عن الموصل، وتَرَك المقاتلون الشيعة الذين يشكلون عماد الجيش اسلحتهم وهربوا من معسكراتهم دون اي معارك مع مقاتلي داعش الذين اقتحموا المدينة بمساعدة آلاف من العرب السنة الذين رفعوا السلاح بوجه جيش دولتهم.
في ذات اليوم تخلى المقاتلون الكرد المنخرطين في فرق الجيش العراقي عن واجبهم، وسمحوا لداعش دون قتال بالسيطرة على المدينة وجزء من ضواحيها. قال الكرد صراحة ان الحرب الدائرة هي حرب شيعية سنية ولن نورط انفسنا فيها وسنكتفي بحماية مناطقنا، وذهبوا الى ابعد من ذلك باعلان انتهاء تطبيق المادة 140 الخاصة بحسم مصير المناطق المتنازع عليها بين اربيل وبغداد. فقد سيطر الكرد عليها بحكم الأمر الواقع مع انسحاب الجيش العراقي منها.
لم يمض اسبوع حتى سيطر التنظيم على مدينة تلعفر بعد قتال استمر عدة ايام تمكن خلاله سكان المدينة من الشيعة النزوح الى سنجار ومنها الى اربيل وبعدها كركوك والسليمانية ثم ديالى وانتهاءً ببغداد والنجف وكربلاء في رحلة معاناة قاسية مات فيها العشرات من الشيعة التركمان حيث استغرق نزوح بعظهم شهرا كاملا.
بعدها بأيام انشغل الشيعة بتأمين مناطقهم من اي غزو داعشي، وتم سحب باقي قطعات الجيش اليها مع دعمها بعشرات الآلاف من المقاتلين المتطوعين ومقاتلي المليشيات المعروفة ببدر وعصائب اهل الحق وجيش المهدي التي وزعت على المناطق الشيعية في ديالى وسامراء وبابل فضلا عن كامل مدينة بغداد ومحيطها.
في ذات الوقت هجر تنظيم داعش عشرات الآلاف من المسيحيين، تم ابعادهم عن مدينتهم التي عاشوا فيها آلاف السنين، وتمت مصادرة كل ما يملكونه من عقارات وممتلكات واثاث واموال. ونزح المسيحون الى مناطق سهل نينوى واربيل ودهوك.
في 3 آب، انسحب البيشمركة دون قتال حقيقي من مناطق سنجار التي تمتد على مساحة واسعة من الأرض رغم كونها مناطق كردية ذات غالبية ايزيدية، وتركوها بيد داعش الذي قام بارتكاب مجازر كبرى راح ضحيتها المئات من الرجال والنساء عدا المخطوفين بما فيهم نساء حولن الى سبايا وجواري، فيما تم حصر اكثر من 150 الف انسان في جبل سنجار دون ماء وغذاء.
بعدها بيومين انسحب البيشمركة ودون قتال حقيقي من كامل مناطق سهل نينوى التي يقطنها مسيحيون وشبك وايزديون، وفرض تنظيم داعش سيطرته عليها دون جهد، ونزحت مكونات المنطقة بما فيها المسيحيون والايزيديون مجددا الى اربيل ودهوك.
بعدها تقدم تنظيم داعش نحو اربيل واصبح يهدد المدينة ذاتها، حينها قررت الولايات المتحدة وبعض الدول الاوربية التحرك "لمنع سقوط اربيل وانقاذ مئات الآلاف من الايزيديين والمسيحيين المهددين بالقتل والتهجير على يد داعش".
هنا توقف الأكشن، والسير السريع والمفزع للاحداث، وبدأت الدراما السياسية تعيد بناء نفسها ببطء عبر استعادة البيشمركة لمناطق وقعت بيد داعش في سهل نينوى، واستعادة الجيش العراقي لمناطق في الأنبار وديالى.
ومع استرداد التوازن وامتصاص الصدمة بفضل تدخل الطيران الأمريكي ضد مقاتلي داعش، والدعم السياسي والعسكري الذي حصلت عليه البيشمركة، والدعم السياسي الذي حصل عليه المرشح الجديد لرئاسة الوزراء حيدر العبادي. وبعيدا عن الحديث حول سبل مساعدة اكثر من مليون لاجيء وسبل معالجة الموضوع ككل، بدا واضحا حصول استقطاب وانقسام مجتمعي قاسي في البلاد.
يلخص متابعون للأحداث ما جرى بأن كل مكون تمترس في مواقعه ودافع عن نفسه، السنة في مدنهم ومحافظاتهم ومن خلفهم وامامهم داعش وممولها، وهم يطالبون اليوم باقليم خاص بهم وجيش خاص بابنائهم. والشيعة تخندقوا في محافظاتهم وفي بغداد وسامراء ومحيطهما وخلفهم ايران. والكرد تموضعوا في المدن والبلدات الكردية... لكن المسيحيين لم يجدوا من يحمي مناطقهم ويحميهم من التهجير والقتل، وكذلك الايزيديون والشبك وجزء من التركمان جرى التخلي عنهم ولم يجدوا من يدافع عنهم.
اليوم وبصورة علنية يطالب الايزيديون بتسليح ابنائهم وتأمين مناطقهم بقوات حماية دولية، وهو ذات المطلب الذي يحمله المسيحيون، مؤكدين ان استمرار وجودهم في العراق مرهون بتحقيق ذلك المطلبين، مستشهدين بما حدث من وقائع كارثية حين تمترس في الساعات الصعبة كل مكون في مناطقه، وتركوا الأقليات تباد دون رحمة.
السؤال المهم الذي يفرض نفسه، هل يمكن اعادة بناء الثقة بين هذه المكونات؟ ... وكيف يمكن ان يتحقق ذلك؟ ... وهل وراء بروز داعش في نينوى وزحفها نحو سنجار وسهل نينوى ومن ثم انسحابها تحت الضغط الأمريكي لعبة كبيرة؟... وهل نحن ذاهبون الى بناء جيش واقليم مستقل لكل مكون؟ ...مهما كان الجواب فيقينا ان التعايش الحقيقي ومعه شعارات الأخوة بين المكونات والأرض الواحدة تلقت ضربة موجعة في اول اختبار حقيقي على الارض.