الورائية!!

 

الوراء: الخَلْف. 

وقُدّام : أمام.

 والورائية تعبير عن الركون في الخلف , وعدم القدرة على التفاعل مع الأمام.

 

وهي فكرة يجسدها السلوك العربي برمته , فنحن نعيش وراء العصر ولا نعرفه ولا يعرفنا!!

 

فالعرب يختبئون وراء الموجودات المتحركة في الحياة , ويصرّون على دفن رؤوسهم في وحل الغابرات , ويحسبون ذلك عزا ونصرا وقوة , فيحصدون منه الخسران والضياع.

 

وفكرة الورائية تتحقق في عالمنا المنكوب بنا وبديننا وما هو قائم فينا وحولنا.

 

فلا نريد أن نصدّق بأن الأرض تدور , والحياة نهر يجري لا مستنقع راكد متعفن.

 

ولا نقبل المنطلقات العلمية والفكرية المعاصرة , التي مَنحت البشرية قدرات فائقة وتفاعلات جديدة  , ترتقي بها وتمضي بخطوات أوثق وأسرع نحو مستقبلها. 

 

ووفقا لمنطوق الورائية أخذنا نقرأ الدين والتأريخ ونكتب , وكأننا هنا ولسنا هنا, نعيش عصرنا ولا نعيشه , فوجودنا جامد متحجر ,  وما فينا يغادرنا إلى الوراء البعيد جدا.

 

ونبدو مخلوقات منقطعة تماما عن مكانها وزمانها , فلا ننظر ولا نشاهد ما حولنا , ولا ندرك مستقبلا , لأننا نسعى وفي أعماقنا مفردات الورائية وأفكارها وتصوراتها وعقائدها وأحزابها وفئاتها , وتهيؤاتها الفنتازية والذهانية الوهمية التطلعات .

 

وفي هذا الخضم الورائي نعيش إنقطاعا مروّعا , ونأتي بتصرفات تزيدنا إستنقاعا وتمسكا بورائيتنا , حتى  أصبحنا كالغرباء القادمين من كهوف الباليات , لأنّ الدنيا بما وصلت إليه وأنجزته  , أخذت ترانا شيئا آخر لا يمتُ بصلة إليها.

 

فنحن مجتمعات تتوهم الدين وتدّعيه , ولا تعرف سلوكا أخلاقيا يتفق معه ويعزز قيَمه وتعاليمه السمحاء , وإنما حوّلناه في مختبرات ورائيتنا , إلى إختراع وتقدم وتفاعل سلبي مع العصر , ووسيلة منحرفة لتوصيف دورنا ومسيرتنا , وسط عالم يحتشد بالعقول المنوّرة بالأفكار الصدّاحة البراقة الساطعة المشعشعة في أرجاء الدنيا , التي داستنا سنابك تقدمها وقدراتها الإبتكارية المهيمنة على مفردات حياتنا.

 

فهل سنتحرر من أصفاد الورائية ونستفيق ونتنبه لما تجلبه علينا من الويلات العظام , أم أننا حشرنا أنفسنا في زاوية حادة تنغلق فيها منافذ الأمل وينعدم الرجاء!!