ارفضوهم بسُنتهم وشيعتهم!

برغم ان ولادة القائمة العراقية قبل الانتخابات الاخيرة كانت قيصرية ، بما تحمله الكلمة من معنى للصعوبة والمخاض العسير ، الا انها قد شكلت في وقتها صورة وردية ، بالثوب الوطني الذي اظهرته للناس ، ورغم ان اغلب قادتها من الطائفة السنية الا انهم انضووا تحت قيادة رئيس الوزراء الاسبق أياد علاوي وهو من الطائفة الشيعية وعرف باعتداله السياسي مقارنة بالموجودين بالساحة المأزومة سياسيا ، الامر الذي بعث بارتياح لدى كثير من العراقيين ، ثم وضعوا ثقتهم بالمولود السياسي الجديد الذي ضنوا به خيرا وانه سيكون المخلص لهم من مأزقهم ! ، لكن سرعان ما تخلت العراقية عن الاستحقاق السياسي الذي حازت عليه بفضل ناخبيها فكانت ضربة أو خيانة وجهتها العراقية لهم ، عندما تنازلت عن رئاسة الوزراء للمالكي ، ثم بدأ مسلسل المؤامرات بين قادة العراقية بعضهم على بعض ، حتى انسلخت عن ثوبها الذي بدت عليه اول مرة ، ولجأ قادتها الى الخطاب الطائفي، كي يصنفهم المالكي ويعاملهم على انهم " قادة للسنة " في العراق .

صنفوا وعوملوا على هذا الاساس من قبل رئيس الحكومة وحلفائه السياسيين ، لكنهم اغفلوا ان ناخبي القائمة العراقية لم يعطوا " صك الغفران " لقادتها ليتصرفوا كما يشاؤون ، مثلما حدث .

واذكر قول احد سياسيي القائمة العراقية في احد المجالس التي تلتقي فيها نخب عراقية ( يعني شنو أنتو تحملونه منيه انه انتخبتونه ).

فقدت العراقية مؤيديها شيئا فشيئ ، وتعزز الشعور بخيبة الامل لدى العراقيين بذاك الكيان المتشعب في الولاءات السياسية ، حاله حال اطرف العملية السياسية الاخرى ، فحينما انتفض طارق الهاشمي لنفسه واعترف بأن الحكومة دكتاتورية وان العملية السياسية فاشلة وذلك بعد ان تعرض لحرب سياسية قادها المالكي ضده و وظف فيها القضاء الذي اصدر حكما غيابيا بالاعدام بحقه ، وكأن العراق كان قبل ذلك في نعيم ؟! ، وأنتفض رافع العيساوي هو الاخر بعد ان طالته نار المالكي والقي القبض على حمايته بتهم بالارهاب.

ان كان لاولئك الساسة قدرة على ايصال اصواتهم ومجابهة من يريد بهم شراً ، فماذا يفعل المواطن المسكين الذي لا حول ولاقوة له سوى الله ؟! ، فعشرات الالاف في السجون والمعتقلات الحكومية وشبه الحكومية يذوقون شتى صنوف العذاب من دون جرم ، واغلبهم اقتيدوا الى تلك السجون والمعتقلات بدون اوامر قضائية وأي تهم حقيقية ، وانما استنادا الى " المخبر السري " وقانون " 4 ارهاب" سيئ الصيت ، وقانون " المساءلة والعدالة " الذي بات اداة الحكومة للبطش بخصومها السياسيين .

خسر المالكي الرهان على تطويع المحافظات الثائرة بالاعتماد على من اعتبرهم قادة للسنة ، فهم لا يمثلوا تلك الطائفة الكبيرة ، ثم خسر حلفاءه الكرد ، وقد يخسر حلفاءه في التحالف الوطني ، أو بالاحرى يضحون به من اجل تهدئة الشارع الثائر لانقاذ مصالحهم ومكاسبهم " المخيفة " .

ان محاولات المالكي وشركائه بترهيب الطائفة الشيعية من تداعيات الانتفاضة الشعبية عبر التصريحات النارية في وسائل الاعلام ، واحتضان بغداد استعراضا مريبا لما سمي بكتائب حزب الله في العراق ، ثم اعلان المدعو البطاط بتشكيل ميليشيا مسلحة باسم "جيش المختار " لحماية الحكومة وضرب الارهاب ، حسبما يقول ، كلها محاولات خبيثة لا ينبغي ان تصل الى هدفها الشيطاني بتجييش الشارع العراقي وانقسامه طائفيا ، فالتظاهرات لم ترفع شعارا طائفيا واحد ، بل على العكس يرفع المتظاهرون شعارات وطنية يجتمع عليها كل العراقيين ، وسميت بعض ايام الاعتصام والتظاهر بأسماء ال البيت عليهم رضوان الله .

ان الشعور بالظلم والتهميش لا يقع على طائفة دون اخرى ، بل في واقع الامر ان الظلم وقع على الجميع سنة وشيعة ، فأن كان النظام الحاكم شيعياً ، كما يدعون ويزايدون ، ألم يكن الاجدر ان يقدم الخدمات للمناطق ذات الغالبية الشيعية ؟ أو يُحسن الحالة المعيشية للفرد في تلك المناطق ؟ ويوفر فرص عمل لابناءها ! ، فأين كل تلك الانجازات الحكومية في مناطق تدعي تمثيلها طائفياً .

وكما عودنا النائب عن دولة القانون عزت الشابندر المقرب من المالكي ومبعوثه الدائم الى خارج العراق ، بتصريحاته الهجومية في الاعلام ضد خصوم المالكي ، ففي لقاء تلفزيوني معه قال ، نحن متفقون ، أي قصد بنحن، الشيعة ، ثم الاكراد متفقون ايضاً ، ولم يتبقى سوى السنة وهم لم يعد يعترفوا بقادة القائمة العراقية ، واستطرد القول ، إذاً فعليهم ان يُرشحوا لنا ممثلين عنهم كي نفاوضهم!.

تلك هي نظرتهم وذاك هو منطقهم وهم في سدة الحكم ، المصلحة الضيقة تغلب المصلحة العامة ، فكيف لنا ان نضع ثقتنا بمن يقدمون مصالحهم على مصالح الشعب ، وكيف يضع المُغرر بهم الثقة بأناس يتهيأون للهرب ، ففي لقاء متلفز للنائب عن القائمة العراقية حيدر الملا ، قال : جميع الطبقة السياسية في العراق وأنا بمقدمتهم هيأنا أوضاعنا وأوضاع عوائلنا للهروب من العراق اذا حدث شيئ ، وقال ايضا ، ان من سيدفع الثمن هو المواطن البسيط فقط !.

اولئك هم قادة ورموز التجربة الامريكية- الايرانية في العراق ، بسُنتهم وشيعتهم ، فلا يستحقون ان يُنتخبوا مرة اخرى ، او ان يُعطوا فرصة جديدة ، يوغلون فيها بزرع التفرقة بين الشعب الواحد ، ويرسخون بها نظام المحاصصة الطائفية ، ويهينون كرامة العراقيين ، ويسرقون ما تبقى من العراق وثرواته .