ليس المطلوب " تغيير جهرتي " فقط |
الاهتمام الذي اظهره الاعلام الامريكي ومن خلفه العالمي ببشاعة قتل الصحفي الامريكي بأيدي قوات داعش , يمهد الارضية لتقبل العودة العسكرية الامريكية للعراق . وهو بعكس ما صرح به الامريكان على لسان اوباما قبل عشرة ايام بان الدعم الامريكي للقوات العراقية سيكون من خلال الطيران والطلعات الجوية وليس عودة الجنود الى الارض . ومن جهة اخرى ان اميركا اخذت تطور تفاهماتها وعلاقاتها العسكرية مع اقليم كوردستان والسنة بمعزل عن الحكومة العراقية وبدون موافقتها . وليس بعيدا ان تتم بلورة تنظيم اداري مع الاحزاب والعشائر السنية التي قبلت بالتعاون مع القوات الامريكية على غرار الاقليم الكردي . ان الذي يهمنا من عودة الامريكان ليس مساعدتنا في قتال داعش فقط رغم اهميته , بل الاهم كما يرى البعض هو الضغط الذي يمارسه الامريكان لإعادة تقويم العملية السياسية – ولو وفق مصالحهم – قبل ان تنفرط وحدة العراق , وتخلق عشرات الدواعش ومن مختلف الطوائف , وهو ما سيكلفهم الكثير لإعادة ضبط سيطرتهم على نفط المنطقة . ومثلما هو واضح ان العملية السياسية لا تملك الآلية الرصينة والكفيلة باستمرار تبادل السلطة بشكل سلمي . ورفض المالكي ترك السلطة كاد ان يؤدي بوحدة العراق لولا الضغط الامريكي وتدخل المرجعية في النجف الاشرف , والاثنان من خارج آلية العملية السياسية . مما يؤكد ان العملية السياسية ليست اكثر من وعاء – ولا يوجد غيره – لا يستطيع ان يطبخ شيئا نافعا للعراقيين رغم وجود كل المكونات في داخله , وأشبه بالمثل الشعبي " حلاوة بجدر مزروف " , وكلما خلطته اكثر ستزيد نزوله من الزرف ويبقى الجدر وحده . ومما يلفت النظر ان الزخم الشعبي والسياسي الذي رافق تنحية المالكي , سرعان ما تبخر , وظهر صراع اشد ضراوة في المطالبات التي قدمتها القوائم الشيعية والكوردية والسنية الى السيد حيدر العبادي لغرض تشكيل الوزارة , وبعضها لا تستطيع دولة راسخة من تنفيذها فكيف بحكومة لا تمتلك مؤسسات دولة ؟! ويبدو ان الادعاءات التي اظهرتها هذه القوائم في صراعها مع المالكي , ليس من اجل ايجاد الارضية الكفيلة بإعادة بناء العملية السياسية على اساس المصلحة العامة والنهوض بالعراق مرة اخرى , بقدر ما هو منع المالكي او غيره من الانفراد في قرار رئاسة الوزراء والاستحواذ على المفاصل المهمة للسلطة , اي اعادة توزيع الحصص بدون مصادرة حقوق المكونات الأخرى, ظاهرها المصلحة العامة وحقيقتها استمرار التحاصص ولكن ضبط توزيعه . لقد اثبتت الطبقة السياسية ان تماسكها اكبر بكثير من تطلعات ومصلحة الجماهير العراقية , ورغم صراعها المحموم والذي وصل في كثير من الاحيان الى جرائم دموية , الا انها تتوحد بسرعة وصلابة لكي تمنع اي نهوض يمكن ان يؤدي الى تغيير المعادلة الطائفية . وبالنسبة لرئيس الوزراء الجديد السيد حيدر العبادي – وبغض النظر عن خلفيته وجذوره الاسلامية السياسية – حتى وان تحلى بأقصى درجات التوازن الوطني , والرغبة الجامحة للنهوض ب ( الديمقراطية ) فلن يتمكن امام كوابح الاحزاب المتنفذة في العملية السياسية . وهنا تكمن اهمية عودة الامريكان , فإنهم بعد ان ازاحوا المالكي سوف لن يسمحوا بتكرار فشله الذي انسحب عليهم . بمعنى آخر , اكتشفوا خلل تقديراتهم ويريدون تعديلها لصالح مصلحتهم , وسوف لن يسمحوا لكل الأطراف العراقية بالجدل وتضييع الوقت في تشكيل حكومة العبادي الجديدة , ولن تكون وفق اسس جديدة بل بذات اسس المحاصصة الطائفية ايضا , ولكن بضمان تعديلها وعدم السماح لمالكي جديد . اخبرني صديقي الذي كان ينوي زيارة ايران لأول مرة , بأنه سيحلق شعر رأسه الذي استطال فوق العادة في مشهد عند زيارة الامام الرضا ( ع ) . سألته : كيف ستتفاهم مع الحلاق وأنت لا تعرف اللغة الفارسية ؟ اجابني بسرعة , وثقة : سأقول له تغيير جهرتي . وهذه لا علاقة لها باللغة الفارسية . والخوف ان لا يتعلم السيد العبادي لغة الحلاق الامريكي الذي عاد بحزم اشد للعراق , ولا يفهم علاقته الجديدة بالتنظيمات العشائرية والسياسية السنية , ولا بتعميق علاقته اكثر بإقليم كوردستان . والخوف اكثر ان لم يفهم الحلاق الامريكي ما يقصده السيد العبادي ب " تغيير جهرتي " , فيصبغ له شعر رأسه ويحلق لحيته الخفيفة , وعندها ترجع الدوامة , ولا نعرف هل هو العبادي ؟ ام المالكي المستنسخ كما بشرنا به عباس البياتي ؟!
|