لو طبقنا النظام السياسي العراقي على أمريكا |
تفاءل معظم أفراد الشعب العراقي بسقوط النظام الصدامي الطاغوتي، وتوقعوا من الاحتلال الأمريكي تحقيق كل أمانيهم بالحرية والديمقراطية والتنمية والرفاهية، واليوم وبعد أكثر من عشرة أعوام على سقوط النظام البائد ومرور ثلاث سنوات على رحيل القوات الأمريكية نجد العراق في اسوء أحواله، إذ يسيطر الإرهابيون السنة على ثلث أراضيه ونظامه الديمقراطي مشلول ومسيرته التنموية معطلة ويتهدد كيانه التقسيم.
يضع العراقيون المسؤولية عن تردي أحوالهم على قادتهم الفاسدين ونظامهم السياسي التقسيمي وجيرانهم المتطفلين والحكومة الأمريكية، فالجيش العراقي الذي أسسه الاحتلال الأمريكي ودربه وجهزه بالأسلحة اختار الانسحاب من قواعده في الشمال والغرب أمام هجوم الإرهابيين السنة، وذهبت أسلحته وأعتدته الأمريكية غنيمة سهلة، ومن قبل ذلك أخلت الحكومة الأمريكية بتعهداتها للعراق بحماية حدوده من الإرهابيين فلم تستجب لطلب الحكومة العراقية المتكرر لضرب الإرهابيين عند الحدود مع سورية والإسراع في تزويده بالأسلحة المتعاقد عليها وبالذات الطائرات المقاتلة، واكتفت الحكومة الأمريكية بإرسال 300 مستشار عسكري وحملت الحكومة العراقية مسؤولية التسبب بالتمرد والإرهاب بسياساتها الإقصائية تجاه السنة العرب والأكراد.
في ضوء الأحداث الأخيرة في سورية والعراق يميل الكثير من العراقيين اليوم إلى تصديق الفرضية القائلة بأن هدف الأمريكيين من فرض نظام سياسي طائفي تقسيمي وبالتعاون مع بعض القادة السياسيين العراقيين هو إضعاف الكيان العراقي والتمهيد لتفكيكه، من أجل اختبار صحة هذه الفرضية سنجري تمريناً يحاكي تطبيق نسخة من النظام السياسي على الولايات المتحدة الأمريكية.
في البدء ينبغي تغيير النظام السياسي الأمريكي من نظام رئاسي علماني مبني على حكم أكثرية المصوتين إلى نظام برلماني يعتمد توزيع المناصب السياسية على أساس طائفي وأثني، وكما هو الحال في العراق يجب تمثيل الكيانات الطائفية والأثنية في الحكومة ومجلس النواب، وبالتالي فسيكون للمكون الاثني الرئيسي الثاني في أمريكا أي ما يعرف بالهسبانيين اللاتينيين أي الناطقين باللغة الإسبانية إقليمهم الخاص شبه المستقل، وإقليم هسبانستان هو صنو كردستان العراقية ويضم الولايات التي تسكن فيها أكثرية من الناطقين بالإسبانية وهي كاليفورنيا ونيومكسيكو وتكساس وأجزاء من نيفادا وأريزونا، وكما هو الحال في كردستان ستحظى هسبانستان بحكومتها الخاصة ودستورها وبرلمانها وجيشها وعلمها، واسوة بكردستان تشتكي هسبانستان من تهميش الحكومة المركزية في واشنطن وهي غير راضية عن حصتها الكبيرة من إيرادات الدولة وتطالب بالسيطرة الكاملة على الموارد النفطية وغيرها المتوفرة في منطقتها.
تحرص حكومة أمريكا على سمعتها من تهم التهميش والإقصاء لذلك تبنت الوصفة العراقية بخصوص المحاصصة الطائفية والأثنية فبادرت إلى توزيع المناصب السياسية والإدارية العليا والدبلوماسية على المكونات الأثنية والطائفية الرئيسية، وبالنتيجة يكون منصب رئاسة الوزراء في النظام السياسي الأمريكي الجديد من نصيب البروتستانت البيض، وهم أكبر مكون اثني وطائفي، وخصصت رئاسة الجمهورية ذات الصلاحيات المحدودة للناطقين باللغة الإسبانية (الهسبان)، وأنيطت رئاسة البرلمان بالكاثوليك البيض، وهم ثاني أكبر طائفة دينية، وتوزعت مقاعد البرلمان بين المكونات الأثنية والطائفية حسب نسبتها العددية بين السكان بما في ذلك السود والبوذيين واليهود والمسلمين.
يكلف الحزب أو التكتل السياسي البروتستانتي الأبيض الحاصل على أكبر عدد من المقاعد النيابية بتشكيل الحكومة، والواجب على رئيس الوزراء المكلف تكوين حكومة وفاق ووحدة وطنية، تمثل فيها جميع الطوائف والأثنيات، وفي الواقع هي حكومة وحدة وطنية بالاسم فقط لأن الوزراء فيها غالباً ما ينفذون أوامر قادتهم الحزبيين لا رئيس الوزراء.
جعلت الخلافات بين الأحزاب والجماعات الاثنية والطائفية التوصل إلى اتفاق حول القضايا الهامة أمراً صعباً وبطيئاً، وتسبب التأخير في اصدار التشريعات والقرارات التنفيذية في إضعاف الاقتصاد وتقليل الخدمات العامة، مما زاد في التذمر الشعبي.
وضع النظام السياسي على المحك عندما عبرت مجموعة إرهابية كبيرة الحدود وبمساعدة أعوانها في الداخل واحتلت عدداً من الولايات والمناطق، وعجز الجيش المنخور بالولاءات الطائفية والاثنية والفساد عن التصدي للإرهابيين، فيما سارع الناطقون باللغة الإسبانية إلى إعلان تفردهم بالسيطرة على موارد تكساس ونيو مكسيكو من النفط، ولنفترض أن حكومة أمريكا استنجدت بحليفتها، وهي دولة عظمى، ألا وهي العراق، فردت عليها بإرسال 300 مستشار واتهام رئيس وزرائها باتباع سياسات إقصائية.
في مثل هذه الظروف إلى متى ستستطيع الحكومة الأمريكية الحفاظ على وحدة بلادها؟
لو أخذنا في الاعتبار نتائج هذه المحاكاة الافتراضية وحقيقة أن الدعم المقدم للإرهابيين السنة يأتي من حلفاء أمريكا في السعودية وقطر وتركيا والأردن فهل يلام العراقيون على شكوكهم بنوايا الحكومة الأمريكية تجاه وحدة واستقلال بلادهم؟ وهاهم اليوم يشاهدون تهافت الحكومات الغربية على مساعدة القوات الكردية فيما تضطر الحكومة العراقية لشراء طيارات روسية الصنع بدلاً من الطائرات المقاتلة التي يبدو بأن أمريكا تلكأت في توفيرها عمداً وقصداً.
لن يطول الوقت قبل أن تلجا الحكومة العراقية لطلب العون من الجارة إيران، ولنتذكر بأن الدولة التي ستنتصر على الإرهابيين الداعشيين السنة في العراق وسورية ستكون القوة العظمى في المنطقة.
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)
المقال مترجم من اللغة الانكليزية للكاتب |