القوى الناقدة في خندق السلطة
تكليف رئيس وزراء جديد له معنى آخر ، فهو يعني تبادل الخنادق بين القوى الحاكمة والقوى الناقدة ، فيصبح ناقد الامس حاكم اليوم وحاكم الامس ناقد اليوم ، وهي عملية تبادل مواقع قد تكون بسيطة في مظهرها ولا ترقى الى مستوى تبادل المواقع بين السلطة والمعارضة عندما يجري في بقية الدول ، الا ان ذلك لا يعني ان هذا التحول بسيط بل هو في غاية الاهمية ، صحيح قد تصبح القوى الناقدة قوى شريكة في دورها الجديد وليست هي صاحبة السلطة المباشرة الا ان ذلك لا يقلل من قيمة التحول ، وهنا ايضا تتجلى حكمة معينة فقد قال احد حكماء السياسة الحديثة : ليست السياسة أن تصل الى السلطة بل السياسة حقا ان توصل منافسيك الى السلطة وتحقق اهدافك في ظل سلطتهم ، وعندما يتحول الناقد الى صاحب سلطة او شريكا فيها فهو ابتداء يمتلك المعايير التي كان ينتقد السلطة على ضوءها ، وهي المعايير التي توضح المسافة بين ما يتم انجازه فعلا وبين ما يجب ان يكون على مختلف الاصعدة ، فنقاد الأمس يمتلكون قائمة أهداف ويعرفون سبل تحقيقها ، اي انهم لا يفتقرون الى خارطة طريق واقعية . تبادل المواقع يخفي وراءه تحولا آخر ليس في الدور بل في اخلاقية السلطة ، فقد اتضح ان اغلب حالات الفشل في اداء الوزير او النائب او صاحب الدور التنفيذي سببه اختفاء المؤسسة وطغيان شخصية المسؤول ، واختفاء الفريق وظهور العصابة ، وهناك فرق كبير بين الفريق المنسجم والعصابة المتنافرة ، الفرق عادة له بعد اخلاقي ، فالمسؤول الذي يعمل باستخدام عصابة يقاتل على جبهتين جبهة خدمة البلد وجبهة خدمة المصلحة الشخصية ، وهو عادة يهزم في الجبهة الاولى وينتصر في الجبهة الثانية لان العملية تتطلب استبدال مخطط المؤسسة بمخطط العصابة ، القوى الناقدة تستطيع ان تنجح لانها تقاتل على جبهة واحدة مفرداتها الوطن ، المؤسسة ، الفريق ، وهي كلمات لها ابعاد أخرى وتترتب على تفعيلها نتائج أخرى ، يجب فهم ظاهرة تبادل المواقع بين الناقد والحاكم على انه تطور يقع في سياق التجربة السياسية في البلد ، وهو نتيجة طبيعية لتقدم المشروع الوطني ونضج التجربة وتراكم الخبرة والتطور الاخلاقي لاصحاب السلطة باتجاه التكامل ، كما ان البلدان التي تحولت من الحكم الشمولي الى الديمقراطية والتعددية سلكت الطريق نفسه حذو النعل بالنعل .