جيراننا مسؤول

غمرت اهالي الحي سعادة كبيرة وفرحة لا توصف حين عرفوا ان مسؤولاً كبيراً في الدولة سوف يسكن في منطقتنا. فنزلت الاحلام من السماء مثل المطر. الحي سوف يبلط بكاملة وتصبغ الارصفة بالألوان البراقة وتغسل الشوارع ويتواجد عمال النظافة طوال اليوم.
لا بل سوف نتخلص من انقطاع الكهرباء نهائيا وننعم بمشاهدة مستمرة للمسلسلات ومباريات كرة القدم، ونتمتع بنعيم الهواء العليل، ولا نحتاج تشغيل المولدات المزعجة ،ونتخلص بالمرة من ضوضائها وتلوثها للبيئة، وتحل ازمة وقوف السيارات في الازقة الضيقة .
اما اصحاب مكاتب الدلالية فرفعوا انوفهم عاليا لان العقارات سترتفع اضعاف المرات جراء توفر الجانب الامني. والشباب حلموا بإنشاء ملاعب رياضية مفروشة بأرضية التارتان، ومسابح ومقاه راقية. ولم يغب عن ذهن الفنانين مسرح حديث تعرض فيه اخر اعمالهم المسرحية، وحلم المطربين بإقامة حفلات الغناء والأفراح. حتى اصحاب محلات بيع الخضار حلموا بأسواق على طراز (المولات) وفيها ما لذ وطاب.
وصار حديث المعلمين والمعلمات والمدرسين والمدرسات بناء مدارس مكيفة ونظامية وهم يدخلون دورات في أخر تطورات فن الحاسوب. حتى الامهات حلمنّ في بناء مستوصف صحي ومستشفى للولادة وحدائق مليئة بالألعاب والمراجيح.
لكن بعض شباب المنطقة من المتنورين احتجوا على كثرة الخدمات المقدمة لمنطقتهم واعتبروها ستكون سبباً في التمايز الطبقي للإحياء الباقية وهذا الامر ليس فيه عدالة اجتماعية في توزيع السعادات. لان المسؤول الجديد ذو شخصية شمولية وواسعة وتستوعب جميع فئات المجتمع وتعمل للجميع أبناء الوطن دون استثناء وأي تحسن للحي على حساب الاحياء الاخرى هو تفرقة مناطقية سوف تترك اثارها السلبية على مستقبل المدينة والبلد. لا بل سوف تخلق تفرقة بين ابناء الاحياء الأخرى. وعدم انسجام حتى بين الجيران، وعندها لا يطبق القانون بعدالة على جميع المناطق في توزيع الخدمات.
في اليوم الثاني وحين استيقظ أبناء الحي من نومهم العميق فوجئوا ان الحي مطوق بالحواجز الكونكريتية والأسلاك الشائكة ووجود دوريات للشرطة والجيش في كل مكان وقفلت الشوارع بالعارضات الحديدية. وانتشرت نقاط التفتيش في مداخل الحي، وصارت كلمة (هويتك أخي) شعاراً وكلمة (وين رايح) لافتةً.
خيم هدوء حذر على اهالي الحي من كثرة الإجراءات المتخذة لحماية المسؤول، واضطر العديد من الشباب الى عدم الخروج من بيوتهم خوفا من المساءلة، وضاعت احلامهم هباء منثور،
فاشتكى الشباب المتنورين من الذين يحتجون دائما على المظالم عند مختار المحلة وكان رجلاً وقوراً، فقابل المسؤول في داره على أمل أن يجد حلاً لهذه الإجراءات المبالغ فيها، وكان شباب المنطقة بانتظار نتائج الاجتماع المهم.
خرج مختار المحلة من بيت المسؤول ولم يعلق على المقابلة بأي شئ، لكنه في اليوم الثاني علق قطعة كبيرة امام بيته وباللون الاسود (الدار للبيع). وحين ألح عليه الشباب عن ما دار من حديث بينه وبين المسؤول، تحسر المختار بألم وقال: (شوفولكم مختار غيري) فنط أحد الشباب المتنورين ليش!!. التفت اليه المختار بغضب قائلاً: (كوم حجار ولا هالجار).