الصراع في أوكرانيا وأستأساد داعش على الأقليات |
أن من ينكر الربط بين أحداث أوكرانيا وما يحصل في سوريا والعراق إما أن يكون جاهلاً في قراءته للأحداث الدولية، وإما من الذين يتعمدون طمس الحقائق لصالح من تسير الأمور على هواه محلياً وإقليميا، لأن الكل متفق على أن ما يجري في منطقة الشرق الأوسط يصب في منفعة إسرائيل الصامتة، الفرحة، بما يدور في الدول العربية الملتهبة التي خسرت من يناصرها في الساحة الدولية من الدول المؤثرة باستثناء سوريا، التي وجدت في روسيا حليفا يمكن الاعتماد عليه لانعدام الخيار الروسي في التوافق مع دولة أخرى في المنطقة غير سوريا، وامتدادا لصداقة قديمة تربطهما .
وكان من نتيجة هذا التزاوج، أحداث أوكرانيا التي أشغلت السياسة الروسية، واحتلت فيها موقع الصدارة لأبعادها عن الأحداث الدولية، خاصة وأن الدول الأوربية أخذت تتناوب في قراراتها المستفزة للروس وجعلت سهام العقوبات تتوارد عليها من كل اتجاه، مع أن ما حصل في أوكرانيا هو بالأساس من صنع إسرائيل أولاً، والغرب عموما ثانيا، وهذه حقيقة لاجدال فيها وتحملت روسيا تبعاتها، وما زالت كل الاحتمالات قائمة خاصة وأن هناك أكثر من تسعة ملايين روسي أوكراني ينشدون الانفصال، مؤيدين بعدد كبير من الأوكرانيين أنفسهم ما زالوا في قلب الصراع .
أن العدالة هي أساس مقومات الاستقرار في المجتمعات، وما سواها يفتح باب الصراع والانقسام، والانتقام، مع كل دورة تغيير في المجتمع تصب لصالح طرف دون سواه، وهذا ما أصبحت عليه أوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث كان المواطن الأوكراني يشعر أنه مواطن من الدرجة الثانية أمام المواطن الروسي لتحدث بعد ذلك كل هذه الإرهاصات .
الحال ينطبق على العراق تماما، فالتهميش الذي كان يعاني منه غالبية العراقيين في العقود المنصرمة، ألقى بضلاله على السياسة لما بعد 2003 وولد روح الانتقام، أو على الأقل حرمان الطرف الذي كان مستفيدا منعما مما كان يتمتع به دون استحقاق، مما أدى إلى تمرده والتربص شرا بمن يعتقد أنه السبب في زوال نعمته، حيث بدأ هؤلاء سلسلة انتقامهم في المناطق الرخوة التي كانت الاقليات في مقدمتها، فشعرت هذه الأقليات بالخطر القادم لأنها وجدت نفسها مرغمة على أن تكون طرفا في صراع لا شأن لها فيه، أو أنه لا يُذكر، ولأن المسيحيين لهم من يناصرهم خارج حدود العراق، لذا كانوا هدفا لأطرافا متعددة ومتناقضة، ولغايات شتى، والسبب هو ضعف قوة القانون والدولة التي حاول المحتل إعادة صياغة هيلكتها ففشل .
لقد تناوب على استهداف الاقليات كلاً من بقايا النظام السابق، والقاعدة، وداعش مؤخرا، لأنهم يعتبرون حماية الدولة لهم بمثابة ولاء لها، وهذا خطأ جسيم لأن التاريخ حمل لنا بين طياته وثيقة الرسول الكريم لليهود وغيرهم من الطوائف، والتي كانت مثالا للعدالة الاجتماعية، ولو أن اليهود احترموا التزاماتهم حسبما جاء في بنود الوثيقة لربما كانت منطقة الشرق الاوسط غير التي نرى اليوم، وأود هنا أن أُذكر الداعشيون الاراذل ومن نظّر وهيأ لهم ببعض ما جاء في بنود هذه الوثيقة التاريخية :-
1- أن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو أبتغى دسيعة ( كبيرة ) ظلم أو أثما أو عدوانا، وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم .
2- أن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وهذا ينطبق على باقي يهود يثرب .
3- وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة .
4- وأن النصر للمظلوم .
تُعد وثيقة المدينة أول وثيقة توقعها دولة المسلمين مع طائفة أخرى على غير دين الإسلام ولكن رباط ( المواطنة ) يشدها إلى الدولة الإسلامية، وهنا نُذكر عصابات داعش الشاذة بأن جرائمهم البربرية لن تنال أبداً من جوهر الإسلام المتسامح وأن تدنيسها للإسلام من خلال حمل أسمه لن يعطيها الشرعية في ارتكاب جرائمها ضد الأقليات العراقية في كل الأحوال .
|