خواطر اقتصادية.. تكاليف حرب داعش

داعش قضى على أحلام الملايين من العراقيين في العيش الكريم. داعش سبب بقتل الآلاف من العراقيين, تهجير أكثر من مليون ونصف المليون إنسان من مدنهم وقراهم, استولي على ممتلكاتهم المنقولة والغير منقولة, دمر البنى التحتية للمدن , هدم دور الآلاف من المواطنين لأنهم لا يدينون بدينهم , و عطل السكان من إعمالهم . أكثر من مليون ونصف مليون بشر يعيشون الآن في كركوك , محافظات كوردستان , النجف الاشرف, كربلاء المقدسة, ومدن أخرى في الوسط والجنوب العراقي . الإحصائيات الرسمية ذكرت بسبب الهجرة والإعمال المسلحة في المدن تحت إدارة داعش , ازدادت نسبة الفقر في العراق من 19% الى 30%, وقد تكون أعلى في الأشهر القادمة .
تهجير مليون ونصف مليون بشر من مناطقهم وحرمانهم من إعمالهم له تبعات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة. المباشرة هو حرمان المواطن المهجر من عمله ورزقه وهكذا يصبح بين ليلة وضحاها من مواطن منتج إلى مواطن عالة على المجتمع ينتظر المساعدات الحكومية و صدقات الخيرين. وسيتقلص الإنتاج في مناطق المهجرين ربما إلى الصفر, فلا محصول زراعي صيفي او شتوي يسوق من هذه المدن ولا مواشي تربى الاستهلاك او لغرض السوق . هذا النقص في إنتاج المناطق المحتلة أو الغير آمنة سوف ينعكس سلبيا على الإنتاج المحلي ( مجموع الإنتاج المحلي من السلع والخدمات خلال السنة) لهذا العام وسيكون بدون شك اقل من الإنتاج المحلي للسنة الماضية بنسبة لا تقل عن 20%, وهي نسبة كبيرة جدا قد تتجاوز 20 مليار دولار. بالحقيقة هذه النسبة ستكون اكبر إذا أضفنا نسبة النمو الضائعة بسبب الإعمال العسكرية. البنك الدولي قدر النمو الاقتصادي في العراق حوالي 10% سنويا للسنوات القادمة , وهو الأعلى في المنطقة . وهكذا فان خسائر العراق المتوقعة ستكون 30% وليس 20%من مجمل الإنتاج المحلي .
تكاليف أخرى مباشرة سيتحملها الاقتصاد العراقي وهي كلفة النفقات الحكومية لإيواء هذه المجاميع البشرية. الحكومة أصبحت مسئولة عن أسكانهم , كسوتهم , و تغذيتهم. هذه المجاميع البشرية سيشكلون أيضا ضغطا كبيرا على الخدمات المتوفرة في المحافظات والمدن التي استقبلتهم مثل المستشفيات والمستوصفات , المدارس والكليات, و الدوائر الأمنية. وإذا تأخر تحرير المدن المحتلة فان هؤلاء المهجرين سيكونون عامل ضغط على سوق العمل وسوق الإسكان في المدن المستقبلة ,لان الشباب والكهول من المهجرين سينافسون أبناء المدن وقد ينتج عن هذه الحالة أمور لا يحمد عقباها.
التكاليف الغير مباشرة كثيرة ولا يمكن إحصائها بدقة وبشكل كامل لأنها غير ملموسة وغير قابلة للتقدير المالي . من يستطيع وضع قيمة مالية على والدة وهي تنظر إلى طفلها يموت جوعا ؟ أو أب يفقد وحيده ؟ أو لوعة فلاح وهو يشاهد مزرعته تحرق على يد أبناء داعش أو مواشيه تذبح وتوزع لحومها على مؤمنين داعش ؟, أو من يضع قيمة مالية على معانات أصحاب الإمراض المستعصية أو معانات طفل فقد أبيه او أمه او مدرسته وأصدقائه ؟ هذه الأمور من الصعب تقديرها بثمن وبذالك مهما بلغت المعلومات من دقة ,إلا إنه في نهاية ستكون تخمينات الإنتاج المحلي اقل من الواقع بكثير. كلف غير مباشرة تشمل أيضا اضطرار شركات الشحن البري اختيار طرق ومنافذ بديلة من الطرق والمنافذ التي يسيطر عليها الداعشيون , توقف بعض المشاريع الصناعية أو عدم تنفيذ مشاريع جديدة. على سبيل المثال , أعلن اتحاد المستثمرين في كوردستان إن القطاع الخاص في الإقليم قد تضرر بما يساوي المليار دولار بسبب تأخير الميزانية والاضطرابات الأمنية, تراجع في الاستثمارات , و توقف اغلب المعامل والمصانع في الإقليم. في بغداد , صرح عضو مجلس محافظة بغداد السيد غالب الزاملي إن " الجانب الأمني أدى ..في تأخير المشاريع او توقفها, من خلال تأثيره على واقع العمالة والشركات المنفذة " , مبينا أن " المشاريع الموجودة في مناطق غير آمنة توقفت تماما ولا سيما تلك المتعلقة بالماء والكهرباء".
أشياء أخري لا تسجل في ميزانية الإنتاج المحلي وهو تخريب داعش للبنى التحتية مثل الشوارع التي تربط المحافظات , تخريب المدارس والمستشفيات , المباني الحكومية, تفجير الجوامع والكنائس والحسينيات, ملاعب الأطفال, وتفجير دور المهجرين والقوى الأمنية . أخبار هذا اليوم ذكرت إن " مسلحين داعش أحرقوا جميع البنايات الحكومية في ناحية سليمان بيك وفجروا عدد منها". تكاليف هذه المباني لا تدخل في ميزانية الإنتاج المحلي ولو دخلت لكان مجموع الدمار الذي يخلفه داعش بدون حساب. من يستطيع تخمين كنيسة عمرها إلف عام؟ ومن يقيم الآثار النفسية للمؤمنين وهم ينظرون إلى مرقد النبي يؤنس محطم الأركان وبدون مئذنة ؟ ومن يستطيع تقدير قيمة الآثار التاريخية والإسلامية التي استولى عليها داعش؟
إمام السيد العبادي طريقا طويلا لأعمار ما خربه داعش من بشر و حجر. أتمنى إن يضع ساسة العراق أمام أعينهم معانات الشعب العراقي والذي يندر إن يكون شعبا آخر عانى مثله في العصر الحديث .المهجرون سيرجعون الى مدنهم وقراهم ووفق برنامج اقتصادي يرمي حفظ كرامتهم وكرامة جميع العراقيين و هكذا يجب ان يتذكر الساسة ان فشل البرنامج الاقتصادي للحكومة سوف يصيب الجميع وسيخسر الجميع . المواطن في الانبار سوف يسئم ممثليه عندما لم يحقق طموحاته, وكذلك الكوردي , والشيعي في الاهوار والأخر في المدينة. العراق لديه إمكانيات اقتصادية هائلة تكفي جميع مواطنيه وزيادة . الوطنية تدعو الساسة الالتفاف حول من انتخبهم , الوقت حان لان يعيش العراقي مثل بقية البشر حرا كريما مطمئنا بدون داعش .