قيل "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل". التفاؤل يستلزم ما يؤكد حقيقته, فليس من الصواب, المرور ببيئة موبوءة بوباء فتاك, ونتفاءل بعبورها دونما نصاب بالوباء المشهد السياسي, يخضع لذات القاعدة, فما جرى في العراق من تغيير, بعد ضنك المشهد, وضبابية الصورة, واليأس من الحل, وتشبث السيد المالكي بالمنصب, جاء التغيير ليعطينا دفعة معنوية, وعودة لأمل إعتقدنا جميعا, بأنه مات على أعتاب الواقع. هل هذا التفاؤل الذي نعيشه الآن تفاؤل مطلق؟ وهل ثمة ما يدفع بإتجاه الحذر؟ في أحداث 2006 وتشكيل الحكومة الأولى, كانت التجربة مشابهة تقريبا, إذ كان السيد إبراهيم الجعفري مرشح التحالف الوطني الوحيد, وفي حين كانت الكتل السياسية رافضة لتوليه منصب رئاسة الحكومة, كان التحالف الوطني يصر على أن لا خيار غيره, وكان الناطق الرسمي باسم التحالف, وهو السيد جواد (نوري) المالكي, يعلن ذلك مرارا وتكرارا! في الليلة التي سبقت إعلان مرشح التحالف النهائي, ظهر السيد المالكي على شاشة إحدى الفضائيات, وأعلن أن لا بديل عن الجعفري, كمرشح وحيد للتحالف الوطني! في اليوم التالي كانت المفاجأة، وهو أن جواد المالكي بات المرشح البديل للتحالف الوطني! وبالفعل تم تكليف المالكي, وشرع بتشكيل الحكومة, وكل ما رافق ذلك من أحداث لمن يتذكرها. تلك الأحداث, تبدو مشابهة تماما لما حصل اليوم, فالسيد حيدر العبادي كان ولوقت قريب من تكليفه بتشكيل الحكومة يعلن جهارا, أن مرشح دولة القانون الوحيد هو نوري المالكي! هذا التشابه, يجعلنا أمام مسؤولية البحث في إمكانية، أن يكون العبادي أفضل من سابقه أم لا؟ لماذا البحث في هكذا مطلب؟ ولماذا نضع نسبة من التشاؤم في وجه الحكومة الجديدة؟ إن ما يدعم تخوفنا, هو واقعية الأمور, وكذلك وجه الشبه بين المالكي والعبادي, فالعبادي لا يختلف عن سابقه من حيث الانتماء السياسي, وهو من نفس الأيدلوجية, التي يحملها المالكي. كذلك تشابه طريقة حصول كليهما على المنصب، وضعت كثيرا من التساؤلات, حول حقيقة حزب الدعوة, وطموحهم بالظفر بالمنصب, والتضحية بأي شخص لأجل المنصب, ثم أن البطانة التي رشحت العبادي, هي ذاتها التي كانت ملتفة حول المالكي, وهم أيضا شركاؤه بالفشل بصورة أو بأخرى. الأمر الآخر, هو كيفية تعاطي العبادي, مع الكورد والسنة, حيث رفعوا سقف مطالبهم كثيرا. فالكورد بعد الأنتكاسات الأمنية الأخيرة, رفضوا الإنسحاب من المناطق المتنازع عليها, والخاضعة للمادة 140 من الدستور, كذلك السنة ومطالبتهم الملحة بالعفو العام, عن القتلة والمجرمين. هل سيختلف تعاطي العبادي عن ما قام به سلفه المالكي؟ سيكون أمام العبادي ثلاث خيارات, عليه أن يتعامل معها بحنكة وواقعية, وتتمثل بالاستجابة لمطالب السنة والكورد، أو رفض الاستجابة لتلك المطالب، أو إقناعهم بإبداء بعض التنازلات. في موضوع ألإستجابة للمطالب، سيكون العبادي أمام مشكلة مخالفة الدستور, إذ أن المناطق المتنازع عليها, يجب أن تحل فقط دستوريا, وأما العفو العام, فيحتاج موافقة البرلمان عليه, كما إن إطلاق سراح المجرمين, يعد خيانة لدماء الشعب وخصوصا للأغلبية الشيعية. وإذا رفض الإستجابة كليا، سيعيد الوضع للمربع الأول, حيث المشاكل مع الإقليم ومع السنة. يبقى الأمر الثالث, وهو الطريق الأسلم, ولكنه يعتمد على حنكة وسياسة العبادي, التي سوف تطبع مشاوراته, مع الكتل السياسية. على الرئيس المكلف, إن أراد النجاح في مهمته, أن لا ينفرد بقراراته, ويعود الى التحالف الوطني, كمرجعية سياسية, مشاركة في اتخاذ القرار, كذلك عليه أن يلتزم بتوجيهات المرجعية, فهي الأب الروحي للعراقيين, على عكس المالكي الذي لم يكن يستمع لأصوات العقل, سواء من المرجعية الدينية, أو الشركاء.
|