خطأ الأسدي القاتل |
سيظل مؤشر الاحتقان الطائفي في ارتفاع، وسوف يتكرر سيناريو الانبار في أكثر من مكان وأكثر من مناسبة طالما، بقي بعض المسؤولين والسياسيين ينفخون في رماد الفتنة الطائفية.. وطالما يواصل البعض اللهو طوال الوقت بأعواد ثقاب الحرب الأهلية. خذ مثلا : التفجيرات الأخيرة التي حدثت في بغداد وحصدت أرواح العشرات من الأبرياء، فقد اجمع البرلمان والحكومة وجميع العراقيين على ان هناك خروقات أمنية صاحبها توتر سياسي كانت وراء استغلال الجماعات الارهابية الفرصة لتنفيذ عملياتها، الا السيد الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي الذي خرج علينا امس بنظرية أمنية تقول إن "السيارات المفخخة التي انفجرت في بغداد كانت قادمة من مدنية الفلوجة، وإن الوزارة "ألقت القبض على الشخص الذي أدخل 15 سيارة من جانب الفلوجة وتم كشف ثماني سيارات وتفجير سبع أخرى".. ولم يخبرنا الاسدي بالكيفية التي دخلت فيها السيارات في ظل إجراءات أمنية تمنع اي مواطن من الفلوجة من الدخول إلى بغداد.. واعتقد ان هذا تناقضا تورط فيه السيد الوكيل الأقدم، وهو خطأ جسيم .. واذا كان الجو الذي نعيشه منح الفرصة لأنصاف السياسيين لكي يثيروا النعرات الطائفية.. فان الامر يصبح كارثة حين نجد مسؤولا امنيا رفيعا يسعى لتغذية الكراهية بين أبناء الشعب. ودعونا نتساءل هل عدنان الأسدي مقصر أم لا، في حوادث التفجيرات؟ والتي أثبتت جميع الوقائع أنها بسبب غفلة أمنية تصاب بها قواتنا بين الحين والآخر.. وبسبب ضعف الجانب الاستخباراتي والذي صرفت عليه الدولة مليارات الدولارات.. ولعل الغريب في الأمر أن يدافع الاسدي في مؤتمره الذي عقده أمس عن قدرة هذه القوات على ضبط الامن.. مع بيان أخبرنا فيه بان هذه القوات قضت على عشرات الإرهابيين وألقت القبض على المئات.. لكنه لم يجبنا على السؤال المهم والذي شغل بال كل العراقيين، وهو كيف تسنى لهذه السيارات ان تقطع الطريق بين الفلوجة وتصل الى مركز العاصمة بغداد دون ان تتمكن سيطرة واحدة من آلاف السيطرات التي امتلأت بها بغداد من القاء القبض على هؤلاء الإرهابيين .. كيف يدافع السيد الوكيل عن قواته .. وفي الوقت نفسه يكشف لنا عجز هذه القوات عن إلقاء القبض على سيارات قطعت مسافة عشرات الكيلومترات كانت تتجول فيها حرة طليقة تحت سمع وبصر قوات السيد الاسدي. وانا اعتقد لو أن الوكيل الأقدم انصت قليلا للشق الطائفي في حديثه.. لما قال الكلام الذي أغرق به الفضائيات والذي كشف فيه عن مشاعر استعلاء حين تصور انه وحده القادر على حماية امن البلد. ما تحدث به الاسدي بالأمس يجب أن يناقشه البرلمان، فما نحن بحاجة إليه الآن هو أن نصرخ بأعلى الأصوات مطالبين بضرورة التخلص من ظاهرة السياسيين الطائفيين والعنصريين وكل ما يشبههم في المجتمع العراقي. المسألة بالنسبة لي ليست شخصية، لأنني لا أعرف السيد الوكيل الأقدم، ولكنني أؤمن بالدولة المدنية التي لا تحركها الميول الدينية والطائفية، وأؤمن بدولة القانون الذي يضمن مساواة العراقيين جميعا بالحقوق والواجبات. ولهذا كنت ولا أزال اعتقد أن السلوك الطائفي للبعض من سياسيينا أكثر خطورة من كل العمليات الإرهابية التي تعرض لها العراقيون. وفي مقابل خطاب الاسدي تعالوا نتأمل في المسار الذي تسير فيه تظاهرات الانبار والتي اخذت تتفاقم يوما بعد آخر، والسبب بالتأكيد ليس المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بالعدالة الاجتماعية والخدمات.. ولكن في الانفلات العصبي الذي اصاب بعض السياسيين ممن يصرون على ان يوهموا أنفسهم بأنهم قادة لهذه التظاهرات .. فقد بتنا اليوم ايضا امام خطاب سياسي طائفي ما كان له ان يتواجد وسط متظاهرين رفعوا منذ البداية شعار سلمية التظاهرات. لا نريد لمتظاهري الانبار والموصل وصلاح الدين وايضا متظاهري البصرة وذي قار وبغداد ان يتحولوا الى قبائل تعتبر نفسها دويلات قائمة بذاتها في مواجهة دويلات أخرى، وبالتالي سنجد كلا منهم كل يدافع عن حصانته وحدوده وسيادته على أرضه وتسيده على جمهوره، وكأننا في حالة ارتداد إلى القبلية. للأسف ان قلة الكفاءة والجهل السياسي تعيد العراق إلى عصور البدائية، حيث نجد من يمتهنون السياسة يصرون على إلغاء ابسط قواعد السياسة الحقة، وبدلا من ان يسعوا الى بناء دولة عصرية نكاد نجدهم مصرين على ترسيخ شعار واحد في أذهان العراقيين "ما دمنا في الحكم… فناموا رغد". |