لا أعرف كيف تشكل الوحش في بيتي حتى تسمى بـ"داعش" وصار يخيف زنوبة كلما وجدت نفسها بمواجهة ما لا ترى وتعرف، لعل تكرار الاسم في الإعلام ومبالغتنا في تقدير قوته هو السبب غير المباشر لكنني أعرف السبب المباشر لرعب زنوبة من هذا الكائن الكريه. انها اختها التي استمرأت المزاح معها قائلة – "اجاج داعش" وبتكرار العبارة تشكل الوحش في ذهنها وأصبح له جسم لا يرى. تذهب إلى غريفة نستخدمها كمخزن فيقال لها – "إجاج داعش"، فتصرخ وتعود القهقرى لتضع يدها الصغيرة على الفم الصارخ مانعة إياه من تكرار تعويذة الخوف. نعم، فلدينا تعاويذ خوف لا نتوقف عن تعليقها في رقابنا، تعاويذ نرعب بها الأطفال منذ زمان السعالى والعفاريت، وهي غالبا ما تسهم في تربية عيالنا وردعهم بأسوأ طريقة، تتذكرون الصرخة المرعبة - أجاك الواوي، التي لا تزال تتردد في الذهن ومعها يتخاطف شبح الوحش الغامض الذي اكتشفنا حين كبرنا أنه مجرد حيوان صغير يشبه القطة. دعكم من؛ "أجاك الطنطل" و "اجتك السعلوه" و"اجاك المطهرجي"، فهذه هينة جدا، بل ركزوا معي في؛ إجاج داعش، الشائعة في بيتي الآن. ركزوا معها لتروا مقدار انشغال عقلنا بهذا الكائن القبيح، الذباح، الذي رضع من ثدي القسوة وتحجرت في عينيه نظرات الرحمة. لاحظوا كيف امتلأ به يومنا، نهارا وليلا، وصار اسمه مرادفا لضياع الوطن وذبح الأقليات، لاحظوا كيف أنه تحول، بمشيئتنا، إلى وحش منزلي مخيف للأطفال ومخيب لآمال الكبار. ولكن مهلا أيها الكائن الغريب. لا تفرحنّ بما تقرأ في هذه الرسالة، وتقول لنفسك - لقد نجحت. كلا أيها الضيق الأفق. إنما هي لوعة و"هضيمه" لا أكثر، هضيمة أن تنجح في التخفي داخل حصان طراودة وتدخل علينا في لحظة غفلة، ومن ثم، ترعبنا، لا بقوتك، بل باكتشاف أن حصان طراودة كان من صنع أيدينا. أنت تعرف الأمر جيدا؛ الحصان الخشبي الضخم إنما جبل من خرابنا المجتمعي وكبر من فقدان ثقة بعضنا بالآخر. تعرف ونعرف أنك وهم نفخنا فيه من روحنا وأعطيناه جسدا من خلافاتنا، ليكون في الأخير سعلاة بمخيلتنا، يتجسد بألف شكل وشكل، في غرفنا الداخلية وحدائقنا الخلفية. أقول؛ تمهل ولا تفرحنّ سريعا، فنحن أعرف بك وبأنفسنا التي خلقتك. إنما هي غفلة ستمر ولحظة سنصحو بعدها، جرى الأمر كثيرا خلال آلاف السنوات، وكانت سجيتنا تنتصر كل مرة، فيتبخر" داعش "الوهم وتعود الحقائق لملمسها. أجل يا غريب الدار، إن عمرك لقصير وكابوسك لزائل، ما أنت سوى وهم خلقناه في أيام غريبة عن طبعنا، وسريعا ما سنطردك من حياتنا. لا تفرحنّ بما أحرزت من تقدم، إذ ما تقدمت إلا بتراجعنا، ولولا خرابنا لما صلح لك أمر ولا استقام لك بنيان بيننا. هذه هي سنن الشعوب، تغفل وتمرض لأيام وسنين، ثم تعود لعافيتها قوية باسمة. حدث هذا لنا ولغيرنا وسيحدث لنا ولغيرنا. ستزول قريبا وحينها سوف تنساك زنوبة وتضحك من أختها إن ذكرتها بك. ستقول حبيبتي - النوب داعش علينا .. والله يا الله !
|