ما وجه الغرابة في مقتل سبعين عراقيا في مسجد؟

في بلد قد اصبح مسلخا للبشر، في بلد تُقتل فيه الاف الناس يوميا بدم بارد وبابشع الطرق، في بلد تعرض فيه الجثث على شاشات التلفزة والمواقع الاكترونية بلا اكتراث وتسبى فيه النساء وتباع في اسواق النخاسة الاسلامية بقيمة اقل من قيمة البقرة، في بلد يجتاح الملثمون مدنه وقراه واقضيته ونواحيه وسهوله وجباله وبساتينه ومزارعه ويفترسونه بحيوانية متوحشة فيقضون على حرثه ونسله وعلى اخضره ويابسه، في مثل هذا البلد الذي لم يتوقف عن نزف الدماء!
ما هو وجه الغرابة في مقتل 70 انسان في مسجد سني او شيعي؟
في مثل هذا البلد يصبح استغراب الموت قتلا هو الغرابة، اذ انه اصبح اسلوب ادراة السياسة وروتينا يوميا تعوده الناس فلا يهربون منه ولا يقاومونه، بل يستسلمون له ويتقبلونه كقدر محتوم ويستقبلونه كاستقبال المؤمن للقضاء والقدر، فيبرزون رؤسهم للرصاص وبهدوء وروية وبدون دموع ولا تذرع يمدون رقابهم لشفرات السكاكين ولفوهات البنادق لتذبحهم، سيكون هذا صحيحا اذ كان الموت ذبحا او تقطيعا هو الحل.
الغرابة ايضا ان يكون كل هذه هذا الاندهاش لمقتل 70 مصلي في مسجد، مع ان العراقيين لا يموتون بالمفرد، كل شيء يتم بالجملة، موتهم ودفنهم والغدر بهم وتسليمهم لبراثن القتلة..
اليس غريبا ان يتوقع السياسيون السنة غير القتل وهم الذين اعتادوا على سياسة التحريض والاثارة والقاء الخطب النارية والشعارات الطائفية التي يرفعونها ويثقفون بها جماهيرهم فتتحول الى احقاد وضغائن ثم الى رصاص يمزق الاجساد؟
اليس غريبا ان يتوقع السياسيون السنة سلاما وهدوء بينما لم ينطقوا الا تحريضا ولم يدينوا فعلا طائفيا خالصا مثل مؤتمر الطائفة الذي انعقد في العاصمة الاردنية عمان والذي حضرت واعدت فيه خطط غزو تنظيم الدولة الاسلامية للموصل واحتلالها وقتل الاف العراقيين فيما بعد ثم تهجيرهم من مدنهم وقراهم والاستيلاء على ملايين الدولارات والاسلحة الثقيلة لقتل مئات اخريين.؟
اليس غريبا ان يتوقعوا انسجاما اجتماعيا بين طائفتي السنة والشيعة، بينما كبارهم مثل النجيفي اسامة واثيل واخرين كثر صوروا ان الحياة في ظل داعش هي افضل من ما قبل داعش، ولم يتغير هذا الموقف الا بعد غزو الدواعش لكوردستان وتهجير وقتل اليزيديين وطرد المسيحيين؟
يخطأ من يظن ان السياسيين السنة عندما يرفعون عقيرتهم بالصياح والنواح والتهديد بالانسحاب من تشكيل الحكومة او حتى الانسحاب من العملية السياسة اذا لم يقبض على جناة جريمة مسجد مصعب بن عمير، اوعندما يسبقون نتائج التحقيق ويحملون الاطراف الشيعية مسؤلية الجريمة، بان كل هذا هو ادراك منهم لمسؤليتهم عن سلامة ابناء طائفتهم السنية، انهم في حقيقة الامر لا يختلفون عن خصومهم الشيعة، لا يهمهم من الطائفة الا التسويق في سوق السياسة ومقدار ما يدر عليهم هذا التسويق من مناصب وما يدخل جيبوهم من اموال وما يرسي عليهم من صفقات وامتيازات.
كذلك هذا الهيجان السياسي السني هو رد فعل للتغطية على مجزرة سبايكر وعلى التعاون المكشوف بين مجاميعهم التي اسموها بـ ثوار العشاير وبين تنظيم الدولة الاسلامية داعش سابقا في كل هذا الخراب وهذا الخرق الكبير الذي غدا مستعصيا على الرقع.
ان الذين ارتبكوا مجزرة سبايكر وقتلوا هذا العدد الضخم من العراقيين الابرياء وهم في عمر الورود، انما سجلوا باسمائهم القذرة اكبر جريمة ابادة في القرن الواحد والعشرين تسجل لحد الآن.
ومع انها اكبر مجزرة بشرية يقتل فيها هذا العدد الكبير جدا من البشر لهويتهم الطائفية، حاول المالكي هو وطاقمه الاعلامي الرديء المدني والعسكري، التقليل من اعداد الضحايا وانكار مجزرة سبايكر بان كل الذي عرف او كتب عنها ليس الا فبركات للاساءة للمنتفح فشلا وغرورا المالكي. لكن الفديو الذي انتشر على المواقع الاكترونية، وخاصة ذلك الذي اختص به مشعان الجبوري والذي اكد ان من قام بهذه الجريمة الكبرى لم تكن داعش، انما عراقيون من اهل المنطقة، اجبر الحكومة العراقية على الاعتراف بمصداقية جريمة سبايكر على مضض منها.
السياسيون السنة اذ يتبعون اسلوب المتاجرة والمزايدات الطائفية ويلعبون على العواطف للحصول على المكاسب والمناصب ولا ينفكون عن التحريض المكشوف، فانهم لا يختلفون عن احزاب الاسلام السياسي الذي كان قادته يتاجرون بمظلومية الشيعة فما ان جادت عليهم الصدف بكرسي السلطة حتى عاشوا حياة الملوك والاباطرة ونهبوا وسلبوا وامتلكوا واصبحت فضائحهم على كل لسان حتى اصبح السياسيون الشيعة مثالا للحرمنة والفساد المالي والاداري والتزوير.
في الدولة المبنية على المحاصصة الطائفية والقومية لا نتوقع نتائج اخرى غير هذا الخراب والدمار والفوضى، ففي لبنان وهو الاكثر مدنية وتحضرا ورقي من العراق، يعاني اللبنانيون من الشقاق الطائفي والمؤامرات والتدخلات الاجنبية، اذ ان الطائفيين يرتبطون دائما بدوائر السياسات الاجنبية ويمتثلون لاوامرها وينفذون مخططاتها.