نعم سأرحل ... مع صليبي وعراقي |
الى الأخ العزيز الأستاذ أحمد الصراف... أشكرك جزيل الشكر على مقالتك الرائعة بحق مسيحيي الشرق الأوسط، نعم لقد نطقت بالحق الذي تنكره الكثيرين من أبناء بلدي على الرغم من أدعائهم بأنهم ينطقون به زوراً، نعم لقد قرأت مقالتك مرات ومرات وتأملت كلماتك وعباراتك ملياً وراجعتها مع نفسي عدة مرات وبتفكير عميق يحتصرني الألم لما نشهده اليوم نحنُ مسيحيي العراق وغيرنا من الأقليات التي عاشت الأف السنين على أرض الحضارات أرض المسيح، قرأتها وأنا أتذكر أياماً وسنيناً عشتها في بلدي (العراق الحبيب) والذي يصر البعض من الظلاليين على أنه ليس لنا بعد اليوم، نعم يريدوننا أن نرحل نحن أصحاب الأرض ومن بقي منا الى بلاد الغربة، نعم يريدوننا أن نرحل هؤلاء الذين ينادوننا بالجالية أو الأقلية!! يريدوننا أن نرحل مطرودين من بلدنا وأرضنا وأرض أجدادنا، حاملين معنا صليبنا وقلمنا وكتبنا وعلمنا، وكل ما ورثناه وجمعناه خلال سنوات عمرنا، نعم يريدوننا أن نتركه لهم ليقيموا فيه الحق! على الرغم من أنهم لايعرفون الحق... نعم سنرحل ونتذكر أصدقائنا وجيراننا الطيبين، نتذكر نزار ومحمد وشوقي ومؤيد وحسين وحسن وعبود وسامان وعبدالله وغيرهم الكثيرين ممن شاركونا أيام طفولتنا وسنين دراستنا، هؤلاء الطيبيبن الذين وقفوا بجانبنا يوماً من الأيام، وكانوا أخواناً لنا في الأنسانية وشاركونا الخبز والملح وشاركونا أفراحنا وأحزاننا... سنرحل ونبقى نطلب وندعي من الرب أن يرحم هؤلاء وينور قلوبهم، تلك القلوب التي تحولت إلى أحجار أمتلئت بالحقد والظلم، وأن يبصر عيونهم. سندعو إليه أن يوقف نزيف الدم الذي طال جميع أبناء بلدنا، وأن يزيح عنهم وعن العراق هذه الغمة. نعم سنرحل ولكن للأسف لن نستطيع أن نأخذ معنا جثامين مفكرينا وعلمائنا وأطبائنا وفنانينا أمثال يوسف غنيمة ونعوم فتح الله سحار وأنستاس ماري الكرملي وروفائيل بطي وروفائيل مازجي وجميل دلالي ويوسف سرسم وجميل جمعة وجلبرت توما وعفيفة أسكندر وعمو بابا وغيرهم الكثيرين ممن رفدوا هذا البلد بالعلم والمعرفة وشاركوا في بناءه على مدى قروناً مضت، ولن نستطيع أن نأخذ كنائسنا معنا، نعم سنتركها هنا لتكون شاهداً لنا هنا في أرض الرافدين، شاهداً على إنسانيتنا، شاهداً على كرمنا وإنسانيتنا وتسامحنا، شاهداً على أننا كنا هنا يوماً من الأيام، عندما كنا أخوة في النسانية أخوة في الوطن والإنسانية عندما دافعنا عنه بأرواحنا وأولادنا... سنرحل وأينما حللنا ووطأت قدمنا فهناك من يستقبلنا ويرحب بنا، وسَنبقى نتذكر الطيبين ونتذكر العراق وسَيبقى في قلوبنا بجانب صليبنا، سَنرحل ليس خَوفاً أو جُبناً بل سَنغرب عنهم بثقافتنا وتسامحنا وليستبدلوها هم بما شاؤا فهم أحراراً في سجنهم، نعم سيبقون لوحدهم يبغضهم الجميع على ما أقترفوه بحقنا من ذنب وأثم وجرم. سَنتركهم يواجهون المجهول، أتعلمون لماذا لأنهم خانوا الأمانة وفرطوا بنا، وبفعلتهم هذه فقدنا الثقة بهم، وعندما تنعدم الثقة يحل الخراب وها قد حل الخراب في بلدي، وأننا على يقين بأنه ليس العراق الذي لم يعد يريدنا اليوم وإنما هم أولئك الأوباش الظلاميين الذين جلبوا الظلام معهم إلى أرضنا أرض السلام، فأصبحت الحياة فيه قاتمة وعبارة عن ظلام دامس بعد أن كان مفعماً بالخير والبركة والسلام... نعم سنرحل متذكرين قول المسيح " طوبى للمطرودين من أجل البر...لأن لهم ملكوت السموات، وقوله "طوبى لكم أذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين... يارب يارب أغفر لهم لأنهم لايعلمون ماذا يفعلون. |