منذ ان خرج المتظاهرون الى الخط السريع ومنذ ان بدأو الاعتصام احتجاجا على اعتقال مجموعة من حمايات وزير المالية رافع العيساوي بتهمة الارهاب... وحتى هذه اللحظة تابعت كما تابع غيري وسائل الاعلام المنحازة للتظاهرات وغير المنحازة لها... شاهدت خطباء منابر يرفعون شعارات محتقنة حد الغليان! شاهدت شيوخ عشائر يلوحون ويهددون ويغمز بعضهم ويلمز بعضهم الاخر من هذا الطرف السياسي او ذاك! شاهدت المتحدث باسم المعتصمين في الانبار بعمته بادئا نشاطه الاعلامي هناك بتصريحه الشهير "عبد الزهرة وعبد الحسين". شاهدت ساسة يعتلون منصات المظاهرات وهم جزء لا يتجزأ من الطبقة السياسية المتلكئة ويتحملون مسؤولية كبيرة عما وصلت اليه الامور من سوء في الحالة العراقية بمجملها.. لكني وسط ذلك الضجيج المرتفع والاضواء الاعلامية الكاشفة جدا لما يدور في المظاهرات.. لم الحظ حتى هذه اللحظة دورا بارزا لقوى مدنية او حتى لشباب الفيسبوك كما حصل في الكثير من بلدان الربيع العربي. فلا وائل غنيم مصر ولا توكل كرمان اليمن، ولا شغيلة تونس ولا "هرمنا"، ولا "هم يحزنون"! اننا امام خلطة دينية عشائرية عجيبة غريبة... لا يغري فيها طابع مدني ولا هوية تستهوي الاخرين للانحياز اليها.. فهل يا ترى غيبت الاصوات المدنية واصحاب الحقوق والمطالب المتوازنة؟! هل اضطهد هؤلاء من قبل اصحاب الحظوة الدينية والعشائرية ؟! هل يوجد اساسا ناشطون مدنيون كي نتحدث عن دورهم المفقود ؟! انها اثارات تأتّت بعد قرابة الشهرين على بدء المظاهرات، ويوما بعد آخر نصاب بالاحباط نتيجة لارتفاع الاصوات المتشنجة والقوى القبلية الدينية، فيما تغيب تماما التيارات الاخرى. هذا هو الواقع وعلينا ان نتحلى بالشجاعة والصراحة الكافيتين من اجل توصيفه املا في تعديل المسارات. هناك اصوات مدنية نشطة وجماعات ضغط وان كانت تمثل الاقلية في التجربة العراقية لكن صوتها مسموع وقادرة على اداء دور فاعل ولو في بعض الاحيان، وقفت تلك الاصوات في حيرة من امرها تجاه المظاهرات والاعتصامات التي تحصل في المنطقة الغربية "على حد تعبير القائمين عليها"، فعادة القوى المدنية هو الانحياز لاصحاب الحقوق والمطالبين بالحراك الشعبي من اجل ممارسة مزيد من الضغوط على الطبقة السياسية بشكل عام، لكن الرسائل السلبية التي تصل من منصات الاعتصامات لا تشجّع ابدا على ذلك، وهذا ما زاد الطين بلة. من هنا على القوى المدنية في المظاهرات اداء دورها المطلوب والاخذ بزمام المبادرة، من اجل ان تلقى تلك النشاطات الجماهيرية طابعا مدنيا يلقى استجابة جماهرية واصداء طيبة عند الاطراف الاخرى من اجل ادامة حالة الزخم الشعبي الضاغط والهادف للتغيير السلمي وتعديل بعض الانحرافات التي حصلت في العملية السياسية. والا ان بقي الحال على ما هو عليه وبقيت قيادة المظاهرات بيد من يوجهون علانية رسائلهم الى مسعود البارزاني وطيب رجب اردوغان من اجل "نصرة السنة" كما صرح كثير من خطباء الجمعة الماضية فلا قيمة حينها ابدا لسلمية المظاهرات التي خيّرت الاخرين بين الكوليرا والسرطان!
|