أمنية يائسة على أطلال "سبايكر"
مداخلة بالغة التأثير كالتي قدمتها والدة أحد ضحايا قاعدة "سبايكر" أمام رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري وبعض النواب، من شأنها أن تغير شيئاً في المشهد السياسي، أو هكذا يفترض.. قالت بلوعة أمّ مفجوعة "نحن من انتخبكم، نحن من جاء بكم ووضعكم في مناصبكم، عليكم أداء واجبكم في إعادة أبنائنا، سواء كانوا أحياء أم أمواتا"، ثم خلعت غطاء رأسها (حجابها) ورمته بوجوههم وهي تصرخ منهارة "أريد ولدي، أريده حياً أو ميتاً".
إزاء مشهد يحمل كل هذه المأساة، وما يتضمنه من رمزية تشي بالحيف والشعور بلحظة المواجهة مع التخاذل، أتخيل أن يتوجه سليم الجبوري مباشرة إلى مقر رئيس الوزراء المكلف، حيدر العبادي، لعقد لقاء غير تقليدي، لقاء تاريخي كرجال دولة، مسؤولين عن حياة شعبهم وأمنه، ويتفقان على التخلي عن حزبيهما الدينيين، والتعاهد على الانتماء للوطن، العراق وحسب، دون الهويات الفرعية التي تنقلت بنا من فاجعة إلى أخرى أكثر قسوة.. أتخيل أن يعرب الجبوري عن شعوره بالخجل أمام العبادي، وهو يسلمه غطاء رأس تلك السيدة، الذي احتفظ به خلال المؤتمر.. أتخيلهما يتعانقان ويبكيان طويلاً، ويقرران المضي إلى المستقبل، لا العودة إلى معركة الجمل ووقعة صفين، وخلافات عمرها أكثر من ألف عام، ويتعاهدان على المضي في طريق إصلاح حال الدنيا، فلا شيء أغلى من كرامة الإنسان الحي.. أتخيل أن كلمات السيدة العراقية التي عبرت عن وجع كل أمهات ضحايا قاعدة سبايكر في تكريت، قد توقظهما من غيبوبة الإيمان بالأيديولوجيا المتحزبة، أن ينفضان غبار الحقد الطائفي عن روحيهما، ويعودان إلى باحة الإنسانية الرحبة.. ثمة فرصة سانحة أمام الرجلين لوضع حدّ لهذا الخراب واستباحة الدماء والخوف الذي ملأ أرواح العراقيين، فرصة لتخطي السائد الوضيع، ووضع حدّ لاستهتار أمراء الحروب بمقدرات خلق الله، والعمل على تنظيف مؤسسات الدولة من كبار المسؤولين غير المؤهلين، أو العمل على تأهيلهم إذا تعذرت إقالتهم.. مئات من الأغبياء والعاهات وغير الكفوئين يشغلون مناصب مهمة في إدارة الدولة، محاطين بآلاف المتنفعين والمتزلفين والمتملقين والمتورطين بمهام وظيفية لا يعلمون عنها شيئاً، مئات من القادة الأمنيين يشكلون عبئاً على الملف الأمني، لأنهم يفتقرون لأبسط مقومات القيادة، تحركهم هواجس صبيانية في التنافس على نثر الأموال على رؤوس المطربين والراقصات، في وقت نواجه فيه أشرس هجمة دموية استنزفتنا وأخذت منا الكثير.. إنهم غير مبالين.. إنهم الوجه غير المعلن الحاضن للإرهاب.. إنهم خرق أمني وأخلاقي.
فهل سيفعلها الجبوري، وهل يستجيب له العبادي؟
 
(ضيق العبارة)
 
أدرك أنه حلم ساذج، أمنية عبيطة، لا يمكن لها أن تتحقق، لكن عبث الإسلام السياسي لم يترك لنا متسعاً أو خياراً سوى انتظار معجزة.