تقسيم الأدوار بين الكتل السياسية و .."داعش"

 عادة مايتراوح الوضع الأمني وأحداث العنف بين كر وفر، وقد يكون الفر مفتعلا، وأحيانا أخرى قسريا، وفي الحالتين لايحسم الفر الحرب، ولايعد هزيمة، بل قد يحتسب تكتيكا ويكون إذاك خطة تنفذ في مرحلة من مراحل الحرب، ومن الأقوال المتوارثة من قادة الحروب العالمية ان خسارة معركة لايمثل تقهقرا للجيش، فالانسحاب هو صفحة من صفحات الحرب. ولست أدري هل في عراقنا نهاية لهذه الصفحات؟ وإن كانت هناك نهاية.. فعلى أي وجه من وجوهه ستكون؟ ولو استطلعنا الحروب في دول العالم الحديث، نرى ان الدولة التي تدخل حربا تسخّر طاقاتها وإمكانياتها في تعبئة كل ما يخدمها في حربها، إذ تكون الأولوية للجيش والتسليح والإعداد للدفاع وكذلك الهجوم ان تطلب الأمر، مادام الإثنان يفضيان في نهاية الأمر الى النصر. والنصر بدوره يشتمل على عدة جوانب منها -والذي يخصنا اليوم كعراقيين- الحفاظ على الأراضي والممتلكات بعد أن تضع الحرب أوزارها، وبهذا فإن العراقيين ينتظرون في ظرفهم الحالي إعادة أراضيهم المغتصبة كدليل نصرهم، علاوة على انتظارهم أشياء كثيرة وكثيرة جدا، بفعل تراكمها النوعي والكمي والزمني. 

   اليوم يعد العراق كله من شماله الى جنوبه ساحة حرب، وليس من مصلحة شعبه أن تُثار مشاكل وقلاقل لايحتملها الوضع المتأزم، فأمام ما تقوم به قوى الشر الغازية من خارج الحدود بإسالة دماء عراقية بريئة، وابتلاع أراض شاسعة لايوجد عذر لجهة سياسية عراقية بالتنحي جانبا وأخذ موقف الحياد، إذ على السياسيين جميعا اتخاذ الخطوات التي تبعد هذا الشر أولا، ومن ثم العمل في سلم الأولويات فيما يخص جداول أعمالهم. لكن الذي يحدث غير هذا تماما، حيث أن بعض الساسة مشتركون بهدف واحد ونية واحدة، هي القضاء على كل ما من شأنه النهوض بالعملية السياسية، والسير بها باتجاهها الصحيح للالتفات بجد الى البناء والإعمار. 

    وأول المعرقلات التي يتبعها هؤلاء هي تأخير تشكيل الحكومة بشتى السبل، وأول خطوة في التأخير زيادة المطالب والشروط التي تتقدم بها الكتل، بشكل يضمن مصالحها الحاضرة والمستقبلية، معرّضة بهذا رئيس الحكومة المكلف الى ضغوط كبيرة، قد تجبره في نهاية المطاف على الموافقة على شروط تودي بالعراق والعراقيين الى مهالك أكثر مما هم فيها الآن. 

    وبصريح العبارة يمكن القول بأن الحرب على العراق مقسمة الأدوار، بحسب المكان والزمان والصيغة والأسلوب، فداعش تتولى إسالة الدم بكل وقاحة وصلافة من دون وازع أخلاقي او ديني او إنساني او عرفي، والكتل السياسية المتشرطة والمتحينة الفرص والمتصيدة في عكر المياه تتولى جملة أمور، أولها إفساد التشكيلة المكلف بها رئيس الوزراء، ثانيها فسح المجال زمنيا أمام القوى المسلحة المتمثلة بداعش، كي ترسخ وجودها في المدن المسلوبة، فتمتد بالتالي أذرع جهات أخرى لها مصالح في ضياع العراق تاريخيا وجغرافيا وحضاريا، وقطعا أول تلك الجهات اسرائيل، أما ثالثها فهو ضرب عصفورين او ثلاثة بحجر واحد، وهي جملة المكاسب المادية والدنيوية الرخيصة، التي توزع بين أعضائها، بعد صبرهم الذي طال أمده وخرج عن سقف تحملهم الزمني، حتى كاد ينفد بانتظار الفرصة المواتية لها، وهم اليوم يظنون ان أملهم سيتحقق برئيس الحكومة المكلف.. وقادم الأيام كفيل بتحقيق أملهم او بخيبتهم فيه..!