الثقافة السائدة لتوفير ارضية ارهاب داعش

اننا نعيش في الشرق المخضب بالدماء منذ الاف السنين، لم ندخل في مرحلة و عصر ما الا و نشهد حدث و حرب و تعدي و صراع دموي . كما كان في المناطق الاخرى في العالم و عبروها الى ما هم عليه الان نتيجة عوامل عدة و اولها الاعتدال النسبي في اديانهم و شخصيتهم مهما حمل التاريخ حوادث دموية مشابهة اولا تقل عنفا و دموية عما حدث و يحدث في الشرق و المنطقة حاليا . استطالت الحال و لازلنا في بدايات عملية التحول نحو التغييرالكلي من كافة جوانب الحياة، و لكن كما نرى نحن نسير وسط بحار من الدماء و مخاض عسير لما نرى في الافق من علامات التحرر و العبوران صدق تنبؤنا . و لكن لماذا التعقيد و الصعوبة في الانتقال و لماذا هذا الكم الهائل من الضغينة و الكره و التعديات و الصراعات التي يمكن ان يتفاداها الفرد و لكنه يتقصد و من دافع ذاتي قبل الموضوعي في الخوض لمثل هكذا طريق معقد اعرج غير معلوم النهاية الا اذا وضعت اوارها من تعب وهلاك الاطراف .

اننا نرى العوامل التي تهيء الارضية للتشدد و التقاتل، سواء نفسيا كانت او تاريخيا و من الترسبات العفنة من الماضي واليوتوبيا المسيطرة على العقول و الفكر الشرقي، و ما توارثناه من ما يشبه الاساطير الخيالية لحب الذات و ابراز البطل و همته و مكانته و ما نربيه عليه منذ الطفولة .

اننا لم نسمع يوما عن المعارك الا و يدور الحديث عن ابطالها و من كان ماهرا و قويا و ضرب بكل مالديه من اجل دحر الاعداء و انتصر على الاخر، قبل ان نسمع اسباب الخلافات و من كان على الحق، اي التفاخر بالقوة و تهزيم الاخر مهما كنا على الخطا و مجحفين في امرنا. و هكذا نربي اطفالنا على هذه السمة البذيئة، ونحن من ندعوهم دائما الى ان يكونوا هم المنتصرين مهما كانوا على خطا في امرهم، و جاءت هذه الصفة من البداوة الى المدينة نتيجة الصفات التي تتسم بها من الغزوات و الاعتداء على الاخر من اجل الغنائم و السلب و النهب و السبي كما كان منتشرا، بعيدا عن الحضارة و ما تضمن، و لم تصلنا من منجزاتها ثقافيا و تربويا و علميا بشكل عملي على ارض الواقع على الرغم من اثارها البائنة للعيان، و لم نورث ما نفتخر بوجوده في عهد الحضارات و التقدم في مرحلة ما من تاريخنا الشرقي مقارنة بمواقع و مناطق اخرى على البقاع الارضية .

اي الارضية التي نعيش فيها هي المبنية على المنتصر و الخاسر و الفاشل و المعتلي بالقوة لا بالحق، و هذا ما توغل في تربيتنا و لم نتمكن الخروج من هذه العقلية الهمجية المتخلفة المتوارثة الينا من البداوات الصحراوية التي لا تملك سوى الاغارة و مناصرة الاخ قبل القريب و القريب قبل الغريب و ان كان ظالما او مظلوما .

هذه من الناحية النفسية، اما ما توارثناها نتيجة التاريخ و ما فرضه الدين و فروعه و خلافاته اسوا بكثير . ونحن نسير بخلفية تبريرية عقيدية مستندة على تبرئة ما يعتبر هو الحق و المرضي لله من اي ذنب و يخرج من اطار اي تعدي او تطاول على الاخر من كافة الجوانب الشخصية و المادية .

تثبيت و الصاق صفة الكره و الضغينة للاخر و انه على الباطل دائما و ان كان على الحق بشكل مطلق في نفس الفرد الشرقي، فرض الاعتداء و بسط سيطرة الباطل على الحياة في هذه المنطقة بشكل كامل . الغزوات الدينية وما رافقها، الفروقات و التناحرات التي حدثت نتيجة خلاف فقهي بسيط هنا و هناك او نتيجة اجتهاد شخص مصلحي حث المناصرين على التقاتل و افناء الاخر المخالف، ونتجت عنه حروب استنزافية طويلة و كثيرة جعلت المنطقة لهيبا من النار و ما تتسم به من الحقد و الكراهية الناتجة منافرزات تلك الحروب و العدوات و الاعتداءات الكثيرة تاريخيا على البعض، اي الطرف المتمكن على الاخر الضعيف .

هذا ما كنا نحن عليه نفسيا و تاريخا منذ القدم، اما في التاريخ الحديث، فلنا ان نقول انه ابخس و اخطر من الماضي لما تخللته حروب و سفك للدماء و التعمق في الخلافات الفقهية و الددينية و المذهبية، و ما تعمقت و اثرت على الحياة الاجتماعية و معيشة العائلة و الفرد و على عمق تفكيرهم و تعاملهم مع الحياة مع تعقيدات الحياة المعيشية، بحيث انتشرت العداوات و الكره اكثر من الاخاء و المحبة، لاسباب كامنة و صادرة من اعتقادات الفروع الدينية و المذهبية المتعددة و ما تواجدت نتيجة فكر شخص ما و اجتهاده و تحليله لنص ما، اضافة للفروقات الموجودة اصلا بين الاديان و الاساطير و المعتقدات، و المنطقة منبع لها .

لا يمكن ان ينبت مثل تنظيم ارهابي في مكان و ارضية غير دينية، كما هو داعش و كما هي حال الشرق، و ما نراه من هؤلاء في الدول الاوربية و الامريكية ليسوا الا من الجنس و التربية ذاتها، و هم متولدون و مترعرعون في الشرق و هاجروا او من اولاد و احفاد من كان يحمل لهذه الثقافات البغيضة التي اخذها معه الى الغرب نصا و تطبيقا، او هناك نفر تاثر بهؤلاء و ليس بشكل عام، و لم يكن احد منهم من الاصحاء نفسيا وممن يكبرون في البيئة الصحية الطبيعية، و هم يستغلون الوضع الاجتماعي السياسي من الديموقراطية و القانون و الحياة المعتدلة لاغراض خبيثة .

السبب الرئيسي الاخر الذي دعا الى بروز داعش في هذه المنطقة هو اخفات صورة القاعدة و لعب المخابرات و ما تحتاجه في منطقة ما مستغلة البيئة الموجودة في هذه المنطقة، كما هو الحال من نقلهم من افغانستان و باكستان الى العراق و سوريا للضرورة القصوى . اضافة الى المصالح الحكومية و الحزبية والشخصية لحكام المنطقة و الانظمة الموجودة، هذا كدعم اضافي و مسهل لفتح الارضية الموجودة اصلا لانتشار مثل هكذا تنظيم ارهابي بالشكل الموجود و بذات الصفات البذيئة الخطرة على البشرية كلها .