ضيّع المشيتين

زعموا ان غرابا رأى قطاة تمشي، فاعجبته مشيتها، وطمع ان يتعلمها، فراض على ذلك نفسه، فلم يقدر على احكامها، ويئس منها، واراد ان يعود الى مشيته الاولى، فاذا هو قد اختلط وتخلّع في مشيته، وصار اقبح الطير مشيا وفي ذلك قال الشاعر:
ان الغراب وكان يمشي مشية......... في ما مضى من سالف الاجيالِ
حسد القطاة ورام يمشي مشيها........ فاصابه ضرب..... من العقّالِ
فأضلّ مشيته واخطأ مشيها........... وبذاك ......سموه ابا مرقالِ
وهذا المثل يضرب لمضار التقليد الاعمى، وبمن يطمع بماليس له فيخسر ماله، وكذلك رئيس الجمهورية ضيّع مشيته واراد ان يقلد مسعود، فلم يتقن مشية مسعود، يطالب بانشاء مجلس عسكري ليعمق من هوة الفرقة والاختلاف بين السنة والشيعة، وهو يعلم علم اليقين ان المجالس العسكرية هي من تخرب الاوطان وتدمر بناها التحتية والفوقية.
ان معصوم جاء بخطة جديدة، يريد من خلالها ان تصبح الحالة الامنية في العراق مليئة بالتشرذم، والقرارات التي يتخذها هذا وذاك فتدب الفوضى ويكون البلد مفتوحا امام الارهاب، كثير من السياسيين اضاعوا المشيتين، حتى مسعود نفسه، قلد اكثر من مشية لاردوغان ولعبد الله وتميم وغيرهم من مجرمي الحرب بشهادة الجميع، صارت السعودية تهدد بقطع علاقاتها مع قطر، ومجلس التعاون الخليجي يفكر باخراجها من تكتله، ومسعود يرتبط معها باقوى العلاقات، الايثير هذا التصرف الدهشة والفضول ويكون مسعود ربما من بناة داعش الاساسيين، اختلف معها على الغنيمة فلم يسلم من شرها، كل هذا وارد، ووارد ايضا ان مسعود وضع فؤاد معصوم بجيبه الايمن يحركه كيف يشاء، ولم تعد حقوق الاكراد هي المشكلة، وانما صار العراق مشكلة الاكراد التي يجب ان يضعونها في حساباتهم للسيطرة عليه وتدمير السنة والشيعة معا.
هذا الامر مدعاة الى ان يسيطر البعض على الكل فيسلبه مجددا ثرواته وكرامته ويتهمه بالخروج عن القانون، ويضع الوطن بيد المجالس العسكرية وهو يعرف ماجرى في ليبيا والصومال من تحت رأس هذه المجالس، انه مسمار كردي في نعش العراق وهذه الغاية مدروسة، وصار رئيس الجمهورية ليس منصبا فخريا، بل منصب رئيسي، يصنع المجالس ويأمر بعدم الدفاع عن الوطن، ويناقش باتجاه ان الحشد الشعبي الذي يقف بمواجهة داعش هو عبارة عن مليشيات يجب حلها وترك آمرلي تحت رحمة الدواعش بعد ان وقف الكرد متفرجين على مايجري في هذه المدينة المنكوبة، والتي صمدت صمودا يعطي درسا لجميع العراقيين.
ومن المعيب ايضا ان يطرح الرئيس الامر على الاميركان، مايعني ان مشروعية هذا المجلس ستكون مستمدة من مشروعية اميركا وتلاعبها بمصير العراق، وهذا الامر يحسب على الرئيس ، اذ كان الاولى به ان يناقشه مع شركائه في العملية السياسية ويرى مقبولية الامر ، لا ان يلجأ الى العصا الاميركية ليجعل من انشاء المجلس العسكري امرا واقعا، وانا على تمام اليقين ان الرجل سيضيع المشيتين وبالتالي ستفضح الاعيبه، ويكون مصداقا لقول الشاعر :
( سكيته الشهد يا هالناس مرْكال..... وظل دوم اعلا صدري يدوس مركال
صرت مثل الغراب انوسم مركال.... ...........ضيّعت المشي وشلون بيّهْ)
واذا ماثبت ان الرئيس اضاع المشيتين فانها الطامة الكبرى التي ستعصف بالوطن وستجعله مزقا وطوائف تقتتل على الثروة والماء لنعود ثانية الى عصر الغزوات الذي عاشه البدو من قبل، وهو المخطط الذي سيعود فيه العراق الى ماقبل نشوء الدولة العراقية في عشرينيات القرن المنصرم، ونضيّع المشيتين احنه ويه الريس.