وانتصرت المقاومة في غزة ..!

نعم .. لقد انتصر الدم على السيف ، انتصرت غزة العزة والكرامة ، انتصرت فلسطين ، وانتصرت المقاومة على العدوان والوحشية والهمجية والشراسة الصهيونية .

فرغم الجرح النازف ، ورائحة الموت المنبعثة من كل بقعة وكل مكان في قطاع غزة  ، ورغم شلالات الدم وإبادة عائلات بأكملها وسقوط أكثر من ألفي شهيد وتدمير البنية التحتية وما خلفه العدوان العسكري من دمار وخراب هائل طال البشر والشجر والحجر ، ورغم أن الحروب لا منتصر فيها ، إلا أن المقاومة الفلسطينية خرجت من المعركة منتصرة على أعتى آلة قتل ودمار في العالم ، بعد أن أفشلت  أهداف العدوان ، وصمدت بوجه الغزاة لمدة واحد وخمسين يوماً وحتى إعلان الهدنة بثوانٍ، وتمكنت من كسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وإلحقت الهزيمة بالغزاة والمحتلين ومرغت أنوفهم برمال بحر غزة وجعلتهم يهرولون تحت جنح الظلام هاربين يجرون ذيول الفشل والهزيمة والخيبة .

غزة انتصرت بفضل صمودها شبه الأسطوري ، وإرادة شعبها ووقوفه خلف المقاومة والتحامه فيها ، والتفافه حولها . وهذا الصمود البطولي الفلسطيني  كشفت حقائق كبرى ، وعرى أنظمة العهر والذل والخيانة العربية ، وسطر ملحمة  بطولية نادرة في سجل وتاريخ الشعب الفلسطيني الكفاحي والنضالي والثوري التحرري .

أذهلتنا صور الاحتفالات الشعبية العفوية التي انطلقت من ساحات وميادين وأحياء وأزقة وشوارع غزة ابتهاجاً وفرحاً بتوقف الحرب واندحار الغزاة ، واحتفالاً بنصر المقاومة . إنه بالفعل انتصار عظيم وكبير للمقاومة ، ويشكل نقطة تحول مهمة في الصراع ، ويرسم خريطة إستراتيجية جديدة للمنطقة .

ما من شك أن العدوان الاحتلالي الإسرائيلي الغاشم مني بفشل ذريع ، ولم تتحقق الأهداف العسكرية والسياسية المعلنة وغير المعلنة التي رسمتها ووضعتها حكومة بنيامين نتنياهو نصب عينيها ، وسوقتها بكثير من الصلف والعنجهية والتضليل الإعلامي . فهي لم تحقق نصراً وعدت الإسرائيليين فيه ، ولم تنجح بتدمير الأنفاق وتحطيم سلاح المقاومة وتجريدها منه وإيقاف الهجمات الصاروخية ، وفي شل ولي ذراع حركة المقاومة وتصفية فكر وثقافة المقاومة وكسر إرادة الشعب الغزي وإخضاعه وتأليبه ضد المقاومة . ونتيجة ذلك تزعزع الوضع السياسي في إسرائيل ودبت الخلافات بين الأوساط السياسية والحزبية ، وتدنت شعبية نتنياهو ، وتقلصت فرص نجاحه في أي انتخابات قادمة .

 

لقد راهن حكام المؤسسة الصهيونية على المفاوضات واحترافهم التسويف والمماطلة والمراوغة ، ولكن المفاوض الفلسطيني وقف نداً لهم وفرض المطالب الفلسطينية الإنسانية العادلة ، وضرورة رفع الحصار الخانق المفروض على القطاع منذ ثماني سنوات ، رغم التخوف من الآتي . وسوف تثبت الأيام القليلة القادمة أن النصر قد تحقق ، ولكن المرحلة معقدة وتعتريها الخطورة لأجل تحقيق بقية المطالب الفلسطينية الأخرى كالميناء والمطار والإفراج عن الأسرى والمعتقلين ، ومعالجة آُثار العدوان ونتائج الحرب السلبية بكل أشكالها وصورها . وهذا الأمر يتطلب تعزيز الموقف السياسي الفلسطيني لجميع فصائل ومكونات العمل الوطني والسياسي والأهلي ، وهو ما يجب أن يتمثل ويتجسد في التمسك بحكومة الوفاق الوطني ، التي كانت هدفاً إستراتيجياً وأساسياً للعدوان الإسرائيلي ، واعتماد نهج المقاومة ، وصيانة الوحدة  الوطنية المبنية على برنامج وطني وسياسي واضح ، التي شكلت أهم عوامل وعناصر الانتصار في غزة .

والآن بعد أن توقف العدوان وانسحب الغزاة ، وبدأت الحياة تعود وتدب في غزة ، يجب أن تبدأ معركة الترميم والأعمار ، التي لا تقل عن معركة الصمود والتحدي والمواجهة والمقاومة .

فشكراً للمقاومة التي حققت الانتصار على أعداء الحياة والمستقبل ، والمجد للشعب الغزي الذي صنع العزة والكرامة . فشعب مقاوم كهذا لن يموت ويستحق الحياة والحرية .