مبادرة البارزاني الثانية

تناقلت وسائل الاعلام خبر قيام السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان العراق بناء على رغبة الكتل السياسية العراقية باطلاق مبادرة جديدة لمواجهة الازمة المستعصية التي تعصف بالبلاد منذ اشهر وتتجه بقوة نحو هاوية الحرب الاهلية.

أطلاق البارزاني لمبادرته هذه سواء كانت بناء على دعوة القوى العراقية او طلب دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية او كلها مجتمعة كما هو الواقع، دليل على الدور البارز والمؤثر الذي تمثله القيادة السياسية الكوردية باعتبارها محل ثقة الجميع كطرف للحل وليس للمشكلة وهي ايضا دليل اخر على تمسك الكورد بوحدة العراق ونظامه الفدرالي الديمقراطي ودستوره الى عكس ما يروج له البعض من اتهامات باطلة للكورد بأنهم وراء مشاريع تقسيم العراق ومشاكله الحالية اذ لو كان للكورد وقياداته السياسية أي توجهات لتفتيت وحدة العراق لما تقدم البارزاني بمبادرته هذه في وقت تشير فيه كل المعطيات الى ان العراق مقبل على انهيار العملية السياسية ومن ثم الحرب الاهلية الطائفية والانقسام الاميبي المستمر.

مبادرة البارزاني هذه قد تكون الفرصة الاخيرة لإنقاذ العملية السياسية من الانهيار الكامل والنهاية المحزنة التي تنتظرها، وعلى القوى السياسية الوطنية العراقية التعامل معها بكثير من الجدية ونكران الذات ووضع المصالح الوطنية العليا فوق المصالح والمكاسب الانية الحزبية والطائفية الكريهة فبدون هذا الوطن ودستوره ونظامه التعددي ومشروعه الديمقراطي الوليد سيخسر الجميع ما تم تحقيقه لحد الان رغم كل النواقص والعيوب والمثالب التي شابت العملية السياسية.

المبادرة التي تأتي نتيجة رغبة وطنية عامة لإنقاذ البلاد من أسوأ الكوابيس التي يمكن ان تصبح حقيقة، يجب ان لا تقع في المطبات التي عرقلت اتفاقية اربيل ووأدتها وهي في المهد، ومن بين شروط نجاحها :

1- يفترض في جميع الاطراف وجود النية الصادقة ولكن النيات الصادقة وحدها لا تطمئن المواطن العراقي وعليه من الضروري توثيق كل ما يتفق عليه وبالتفصيل الممل وتوقيعه من قبل كل الاطراف المشاركة بالشكل والصيغة التي تقطع الطريق امام أي تنصل من الاتفاقية لاحقا.

2- العلانية والشفافية، اذ يجب ان يعرف الشعب العراقي، وهذا من حقه، على ماذا تم الاتفاق فالموضوع برمته يتعلق بحياته ومستقبله خاصة والتجارب السابقة اثبتت فشل كل الاتفاقيات السرية المعقودة خلف الابواب الموصدة والدليل هو اتفاق اربيل المعروف ببنوده التي بحثت وأقرت ومن ثم تم التنصل منها.

3- ضرورة وضع سقف زمني لكل فقرة وبند ومشروع يتفق عليه فبدون سقف زمني يمكن لأي طرف خاصة في السلطة تمييع الموضوع وتجاهله وعدم تنفيذه، ان عدم وضع سقف زمني للتنفيذ يعني عمليا وضع مصير الموضوع في مهب الريح.

4- المثل يقول : الشيطان يكمن في التفاصيل،وما اكثر الشياطين اذا كانت النيات غير صادقة، وما اكثر الشياطين في الوضع العراقي والتأثيرات الاقليمية والدولية ولذا فانه من الضروري لضمان نجاح أي اتفاق فيما اذا تم الوصول اليه هو قطع الطريق على الشياطين وتدوين وتوثيق كل التفاصيل حتى الثانوية منها فقد سبق ان عانى العراقيون من التفسيرات المختلفة لوجود هؤلاء الشياطين والتي ادت الى نسف الاتفاقيات الماضية.

5- ضرورة النص على ما يمكن تسميته بالجزاء الوطني ضد كل طرف يتنصل من الاتفاقية بعد توقيعها باعتباره خروجا عن الاجماع الوطني كمقاطعته او عدم التعامل او التحالف معه او أي جزاء اخر يكون رادعا اخلاقيا وقانونيا ضد من يجعل من نفسه في الخندق المعادي للشعب العراقي وأمنه ومستقبله.

المبادرة التي تهدف الى جمع الفرقاء على طاولة واحدة للتباحث والاتفاق وإنقاذ العملية السياسية يجب ان تؤسس لمرحلة جديدة في تأريخ العراق الديموقراطي تكرس المصالحة الوطنية والالتزام بالدستور وتعيد بناء جسور الثقة بين مكوناته وتستجيب للمطالب المشروعة لجماهيره وتضمن حقوقهم في توفير الامن والسلام والخدمات الاساسية وفرص العمل الشريف وإرساء ثقافة اللاعنف والتسامح واحترام الاخر بدل الالغاء والإقصاء والتهميش.

العراقيون ينتظرون بفارغ الصبر اجماعا وطنيا ينهي مرحلة التفرد والانفراد بالسلطة ويضع الاسس السليمة لأوسع مشاركة وطنية في صنع القرار وتنفيذه وهم بالتأكيد يأملون الكثير من مبادرة البارزاني هذه فهل سترتفع كل الاطراف الى مستوى المسؤولية الوطنية.. هذا ما ستكشفه الايام الاخيرة من شباط الحالي موعد الاجتماع المقترح كما يقال.